يعتقد الكثيرون أن الإسهال مرض أو عرض لا يستدعي الكثير من القلق، ولا يتطلب مراجعة الطبيب إذا ما أصيب به أحد أفراد العائلة. والحقيقة هي أن الإسهال حالة طبية غالباً ما تكون بسيطة، ولكنها أحياناً ما تكون خطيرة إلى درجة تهدد حياة الشخص، وهو ما يتضح من كون الإسهال يحتل مرتبة متقدمة على قائمة الأسباب التي تؤدي إلى الوفيات بين أفراد الجنس البشري، حيث تشير التقديرات إلى أن الإسهال يقتل ما بين 4 إلى 6 ملايين شخص سنوياً، مليونان منهم بين الأطفال الأقل من عمر خمس سنوات، مما يجعله من أهم أسباب الوفيات في هذه الفئة العمرية. وتتعدد وتتنوع أسباب الإصابة بالإسهال بشكل كبير مثل سوء الامتصاص، أو القولون العصبي، أو حتى الأمراض السرطانية التي تصيب الأمعاء، وإن كانت العدوى بالجراثيم تعتبر أهم هذه الأسباب، حيث تمثل نصيب الأسد من أسباب حالات الإسهال. وضمن هذه المجموعة، التي تعرف بالإسهال الناتج عن العدوى (Infectious Diarrhea)، تتنوع وتتعدد أيضاً أنواع الجراثيم والميكروبات بشكل كبير، مثل بكتيريا السالمونيلا الشهيرة التي تتسبب في التسمم الغذائي، وغيرها من البكتيريا، أو الطفيليات مثل الأميبيا التي تسبب الدوسنتاريا وغيرها من الطفيليات، والديدان المعوية المختلفة مثل الديدان الشريطية والإسكارس وغيرها. وإن كان بين أهم أسباب الإسهال الناتج عن العدوى، تمثل الفيروسات خطورة خاصة، وبالتحديد الفيروسات المعروفة بالروتا- فيرس (Rotavirus). فهذه المجموعة وحدها، تتسبب في ملايين الحالات من النزلات المعوية سنوياً، تنتج عنها وفاة أكثر من نصف مليون طفل كل عام. ومع أن غالبية هذه الوفيات، أو معظمها، يحدث في الدول الفقيرة والنامية، إلا أن جزءاً منها يقع في الدول الغنية، على رغم توفر أحدث وأفضل نظم الرعاية الصحية فيها. وهذا الثمن الإنساني الفادح للعدوى بالروتا- فيروس، هو السبب في إلقاء منظمة الصحة العالمية بثقلها بداية هذا الأسبوع خلف تطعيم جديد، تم تطويره عام 2006، وأظهرت الدراسات والأبحاث الحديثة فعاليته وأمان استخدامه لدى الأطفال. وآخر تلك الدراسات تمت بالتعاون بين العديد من المنظمات العاملة في مجال التطعيمات الطبية، مثل التحالف العالمي من أجل التطعيمات (Global Alliance for Vaccines and Immunisations)، وشركة جلاكسو- سميث- كلين التي تصنع تطعيم الروتا-ريكس (Rotarix)، وشركة "ميرك" التي تصنع تطعيم الروتا- تيك (RotaTeq)، وهما التطعيمان الوحيدان المتوفران حالياً للوقاية ضد الإصابة. ويأتي لجوء منظمة الصحة العالمية لدعم ومساندة التطعيمات الجديدة، والتوصية حتى بإدراجها ضمن جدول التطعيمات الروتينية التي تمنح للأطفال في شهور وسنوات عمرهم الأولى، وعلى رغم سحب آخر التطعيمات المتاحة لتحقيق هذا الغرض عام 1999 جراء تسببه في حالات من الانسداد المعوي الخطيرة، نتيجة لفشل الجهود الأخرى المعتمدة على النظافة في وقف العدوى بالفيروس. فالعدوى بالروتا- فيرس تنتج في الحقيقة عن شرب مياه أو تناول طعام، لوث أي منهما بشكل مباشر أو غير مباشر ببراز شخص مصاب بالفيروس، حيث تحدث العدوى عن طريق الفم لتنتقل إلى شخص آخر عن طريق البراز (Faecal-Oral Route). ولكن لسبب أو آخر، لم تنجح التطورات الهائلة خلال العقود الأخيرة في مجال توفير مياه شرب نظيفة، وفي نظم الصرف الصحي، وفي إجراءات النظافة الشخصية، في خفض حالات الإصابة، حيث لا زال الروتا- فيروس مسؤولا عن 50 في المئة من حالات الحجز في المستشفيات بسبب الإسهال الشديد بين الأطفال. والسبب الآخر الذي دفع بداية الأسبوع الجاري بالمجموعة الاستشارية الاستراتيجية من الخبراء (Strategic Advisory Group of Experts)، التابعة لمنظمة الصحة العالمية، للتوصية بإدراج التطعيمات ضد الإسهال ضمن جدول التطعيمات، يعود إلى فشل الاستراتيجية المعتمدة على توفير محلول الجفاف كخط أول للعلاج، في خفض عدد الحالات التي يتم حجزها في المستشفيات بسبب الإسهال الشديد، أو عدد من يلقون حتفهم في النهاية. ففي حالة الإصابة بفيروس الروتا، أو غيره من أسباب الإسهال الشديد الناتج عن العدوى، تحدث الوفاة بسبب فقدان الجسم لكمية كبيرة من السوائل وتعرضه للجفاف، نتيجة القيْء والإسهال الشديدين. ولذا تعتمد استراتيجية العلاج هنا، على مد الجسم بقدر كافٍ من السوائل، المضاف إليها الملح، أو الملح والسكر، إلى أن تأخذ العدوى مجراها ويتعافى منها المصاب. ولكن على رغم بساطة هذا الإجراء وقلة تكلفته، إلا أن الإحصائيات السابقة تظهر عدم تمكنه حتى الآن في خفض عدد الحالات التي تتطلب الحجز في المستشفيات للحصول على السوائل من خلال الوريد، أو في العدد النهائي للوفيات. وإن كان التطعيم الجديد، الذي تصفه الدراسات حتى الآن بأنه شبيه برصاصة سحرية ضد الإصابة بالروتا- فيروس ومن ثم الإسهال الشديد، تعيبه إلى حد كبير تكلفته الباهظة، بشكل يجعله خارج متناول غالبية سكان الدول النامية والفقيرة، التي تتكبد الجزء الأكبر من الإصابات والوفيات حالياً. وهو ما دفع الأطباء وخبراء الصحة العامة للتحذير، بأن التطعيم الجديد سينتهي بذات نهاية العديد من الأدوية والعقاقير والتطعيمات السحرية الأخرى، التي يعجز حالياً غالبية سكان العالم عن الاستفادة من مزاياها، نتيجة تسعيرها بشكل مبالغ فيه من قبل شركات الأدوية. د. أكمل عبدالحكيم