من الواضح أن مشكلات بعض المدارس الخاصة ومخالفاتها قد أصبحت مادة شبه يومية في أخبار الصحف المحلية وتقاريرها وتحقيقاتها، والخطر في الأمر أن هذه المخالفات لم تعد تتوقّف عند قضايا الرسوم الدراسية والبنية التحتية والحافلات، وغيرها من القضايا التي تثار باستمرار، وإنما تعدّت ذلك إلى مجالات تمثّل عصب العملية التعليمية بما يعرّضها لتهديد جديّ، مثل التقويم والمناهج، وغيرهما. فقد أشار تقرير لصحيفة "الإمارات اليوم"، مؤخراً، إلى تصريحات المتحدّث الرسمي باسم وزارة التربية والتعليم التي قال فيها إن بعض المدارس الخاصة تتلاعب في درجات التقويم التي تمنحها لطلبتها، وإن الوزارة لاحظت أن درجات تقويم طلبة الصف الثاني عشر في بعض المدارس الخاصة التي تطبق منهاج الحكومة لا تتناسب مع درجات الامتحانات النهائية للفصلين الدراسيين، الأول والثاني، بحيث حصل بعض الطلبة على نسبة 90 في المئة في التقويم، فيما حصلوا على نسبة 58 في المئة في الامتحان النهائي. وهذا يعني أن هذه المدارس قد تعمّدت رفع الدرجات المخصّصة للتقويم بما لا يتناسب مع المستوى الحقيقي لبعض الطلبة، ولا شك في أن هذا يمثّل تلاعباً خطراً لا يمكن السكوت عليه أو التساهل معه، لأنه يتيح لبعض الطلبة الحصول على درجات من دون وجه حقّ ويهدّد مبدأ تكافؤ الفرص بين خريجي الثانوية العامة ويساعد على وصول بعضهم إلى أماكن جامعية لا يستحقّونها، بشكل يرسّخ لديهم قيماً سلبية عن أهمية الاجتهاد كطريق للنجاح والتفوّق، ومن ثم المساهمة في نشر أمراض اجتماعية خطرة في المجتمع، خاصة أن الأمر يتعلّق بمراحل عمرية صغيرة يجب أن يكون هناك حرص كبير في التعامل معها، لترسيخ القيم الإيجابية التي توجِد مجتمعاً صحيّاً ومتوازناً. وهذا التصاعد الملحوظ في مخالفات بعض المدارس الخاصة يكشف عن مؤشّر مهمّ هو الجرأة الكبيرة التي أصبحت تسيطر على سلوكيات هذه المدارس في تجاوزها النظم والقوانين وتلاعبها باللوائح الحاكمة للعملية التعليمية في الدولة، وفي هذا الإطار فإن بعض التحقيقات الصحفية التي نشرت، مؤخراً، في الصحافة المحلية كشفت عن أن هناك مدارس خاصة لا تلقي بالا للمعايير التي وضعتها الجهات الحكومية فيما يتعلّق بالرسوم الدراسية، وأقدمت على زيادة رسومها بشكل متعسّف دون أي سبب منطقي يبرّر ذلك، وهذا يقع ضمن سلوك عام لبعض المدارس الخاصة في مخالفتها اللوائح والأنظمة والتعليمات وعدم مبالاتها بها في مجالات عديدة أخرى لا يتّسع المجال هنا لذكرها بالتفصيل. لا شك في أن ضعف الرقابة وعدم الحزم في العقاب والتساهل في التعامل مع المخالفات، هو ما يشجع هذه المدارس الخاصة على الاستمرار في السير في طريق المخالفة والتجاوز في سعيها إلى الحصول على أكبر قدر من الربح دون نظر إلى اعتبارات الجودة والكفاءة، لأنه مع مرور الوقت يستقرّ في ذهن القائمين عليها أن كل شيء مباح ومتاح، وبالتالي تصبح المخالفات بلا حدود وبلا سقف أعلى، ولذلك فإن هناك حاجة إلى مراجعة عميقة للتعليم الخاص في الدولة والتصدّي لأي تجاوزات يمكن أن تعوق دوره في تطوير العملية التعليمية، خاصة أنه يستحوذ على جانب كبير منها، كما أنه من المهمّ تحفيز جوّ المنافسة في ميدان التعليم من خلال جعل المدارس الحكومية بديلا قوياً للمدارس الخاصة، وبالتالي تتعدّد الخيارات أمام الطلبة وأولياء أمورهم وتجد المدارس غير الجادة نفسها وقد تمّ لفظها بعيداً عن الحقل التعليميّ. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية