يشن كتّاب في كبريات الصحف الأميركية هجومًا معاكسًا ضد خطط الرئيس أوباما لحل القضية الفلسطينية على أساس مبدأ الدولتين ووقف الاستيطان وإنهاء الاحتلال. ويتم ترويج مجموعة مقولات تحتاج لمن يتصدى لها ويفندها. ويلخص مقالان لكاتبين بارزين أهم هذه المقولات. المقال الأول، في "واشنطن بوست" لشارلز كروثامر، أحد أبرز كتّاب المحافظين الجدد. والثاني لتوماس فريدمان في "نيويورك تايمز". مقولات كروثامر، ستقنع كثيرين ممن لا يعرفون الوقائع والأرقام، وقد تؤلب الرأي العام الأميركي ضد خطط أوباما. ففي مقالته الساخرة، وعنوانها "أسطورة المستوطنات"، يقول كروثامر إن منع النمو الطبيعي للمستوطنات يعني "أنه لا مواليد جدد. أو أنّه إذا كان لديك طفل جديد، فلا سكن له"، وأنّ كل من يولد يجب أن يخرج مقابله شخص آخر". ومع أنّه في حالة حدوث هذا فإنه منطقي وشرعي لأنّ المستوطنات مرفوضة بموجب كل القوانين، وبنيت في كثير من الحالات على أراضي أشخاص فلسطينيين ممنوعين من البناء، فإنّ كروثامر، يكّرس أكذوبة النمو الطبيعي. إذ أنّنا إذا دققنا في الإحصاءات، نجد أنّه بينما تبلغ نسبة نمو سكان إسرائيل اليهود والعرب معًا، منذ عدة أعوام أقل من 1.8 في المئة (نسبة نمو العرب وحدهم نحو 2.8 في المئة)، فإنّ نسبة نمو سكان المستوطنات هي أضعاف هذه النسبة، وبين عامي 2002 و 2006 كان معدل النمو أكثر من 4.8 في المئة، ما يعني أن نسبة نمو سكان هذه المستوطنات غير طبيعية، تتضمن عمليات تهجير من إسرائيل إليها. علما أنّه في سنوات بعد توقيع اتفاقيات أوسلوا للسلام كانت نسبة نمو عدد المستوطنين تصل حوالي 8 في المئة سنوياً، رغم أنّ الأصل أنّه كان سيتم التفاوض على المستوطنات في المرحلة النهائية. ويتجاهل كروثامر أنّ 90 في المئة من الوحدات السكنية التي بنيت في القدس الشرقية منذ عام 1967 لليهود، وأنّه بحسب أرقام تعود لنحو عشر سنوات (الوضع الآن أسوأ)، فإنّه بينما يعيش 2.4 في المئة من اليهود في القدس بواقع 3 أشخاص أو أكثر بالغرفة الواحدة، يعيش 27.8 في المئة من العرب بهذا المعدل. وبينما 13.5في المئة من اليهود في القدس يعيشون بواقع شخصين أو أكثر في الغرفة، يعيش 61.5 في المئة من العرب وفق هذا المعدل. مقولة ثانية يثيرها كروثامر، وهي أنّ السلطة الفلسطينية لم تبن طوال 16 عاماً أي مستشفى، أو محكمة، أو مؤسسة عامة. ورغم أنّ هذا ليس من شأن إسرائيل، فإنّه غير صحيح أبداً، ويعلم الجميع كم دمرت إسرائيل من مؤسسات بناها الفلسطينيون، وكيف يمنع الحصار البناء. أمّا فريدمان، فمقولته خطيرة، وسبق لأعضاء من الكونجرس أنّ عبروا عن مقولات شبيهة. ويطالب فريدمان تحت عنوان "بعد القاهرة... حان وقت كلينتون"، وزيرة الخارجية الأميركية بالاهتمام "بالعملية السلمية"، لكن ليس في فلسطين بل في العراق لتحويله لنموذج ديمقراطي يحتذى به في المنطقة. وهذه الدعوة تنطلق من معارضة وجهة نظر أوباما القائلة بأنّ حل الموضوع الفلسطيني يحل كثيراً من مواضيع المنطقة، وتتضمن محاولة ترويج وجهة نظر تزعم أن أزمة الولايات المتحدة هي في العراق وليس في أي مكان آخر. وهذه الدعوة تساير دعوة نتانياهو ذاته في كتابه "مكان بين الأمم"، الذي كتبه في التسعينيات، ويقول فيه إنّ السلام لن يتحقق إلا بين الدول الديمقراطية لأنّ الديمقراطيات لا تحارب بعضها لذا يجب أن تصبح الدول العربية ديمقراطية حتى يحصل سلام، وهي مقولة للتهرب من إنهاء الاحتلال. وهي ذات المقولة التي أبدى الرئيس الأميركي السابق بوش إعجابه بها، بعد قراءتها في كتاب للوزير الإسرائيلي ناتان شارنسكي، وقد دعاه للبيت الأبيض في ديسمبر 2004 ليعبر عن إعجابه بطروحاته، قبل أن يتراجع بوش وإدارته عن التركيز على هذه الفكرة. مثل هذه المقولات هي حتى الآن نوع من التجديف ضد التيار، وحرف الانتباه عن الموضوع الفلسطيني، لكن لا بد من مواجهتها بدبلوماسية عربية ناجعة، قادرة على تركيز الجهود على تسوية تقوم على انسحاب تام من حدود عام 1967 وإنهاء الاستيطان، ورفض فكرة تبادل الأراضي إلا بأقل قدر ممكن، وبتواز نوعي وكمي في التبادل.