فوز لقوى الاعتدال في لبنان... وخسارة لخيار التغيير في إيران الدروس المستخلصة من نتائج الانتخابات البرلمانية الأوروبية، وتلاشي أمل التغيير في إيران، ودلالات هزيمة "حزب الله" في لبنان، موضوعات ثلاثة حضرت بقوة في افتتاحيات وصفحات رأي الصحف الفرنسية. --------- الانتخابات الأوروبية... رسائل ودروس: استخلص معظم كُتاب افتتاحيات الصحف الفرنسية الرسائل والدروس التي انتهت إليها الانتخابات البرلمانية الأوروبية، التي صبت في مجملها تجاه معاقبة أحزاب "اليسار"، دون انخراط قوي في تأييد أحزاب "اليمين" المعتدل، مع تنامي تأثير قوى وأحزاب اليمين المتطرف المناهض للمشروع الأوروبي نفسه. في افتتاحية لصحيفة لوموند قالت إن كلمة السر التي تكتسح الآن أذهان الناخبين الأوروبيين هي الأزمة المالية وتداعياتها، وهذا هو ما يجعل في متناول الفهم حجم الاستياء الشعبي من الاتحاد الأوروبي، حيث إن أجهزة بروكسل البيروقراطية لم تلعب أي دور يذكر في "تسيير" الأزمة وسياسات تطويقها ومواجهتها. صحيح أن هنالك سياسة نقدية مشتركة لدول منطقة "اليورو"، ولكن لم تكن هنالك خطة تحفيز موحدة ولا تنسيق للسياسات الاقتصادية للدول الـ27. بل على العكس كانت لكل دولة خططها وأولوياتها الخاصة، وإن حاول رئيس المفوضية الأوروبية البرتغالي خوزيه مانويل باروزو إضفاء غطاء فضفاض واحد على هذا التعدد. ولكن إذا كان من امتنعوا عن التصويت أرادوا عقاب أوروبا كبرلمان وكمشروع واتحاد، فقد أخطأوا الهدف بشكل كبير. فليس الذنب ذنب البرلمان الأوروبي، بل يتحمل كامل المسؤولية عنه "باروزو" الذي تنقصه الكاريزما السياسية، ويفتقر أيضاً إلى الخيال الاقتصادي. والأسوأ من ذلك أن الحكومات الأوروبية تريد اقتراحه للبقاء في منصبه على رأس المفوضية لعهدة ثانية. ولاشك أن هذا خبر سيئ لأوروبا. وفي افتتاحية كتبها لوران جوفرين في صحيفة ليبراسيون دعا قوى اليسار الفرنسي، وكل الحالمين بمجتمع أكثر إنسانية، وأكثر عدالة، يستطيع ترويض جموح الماكينة الاقتصادية، إلى أن يوحدوا صفوفهم ويستمروا في المعارضة التي كثفت مطالبها حملة الأوروبيات الأخيرة، وما انتهت إليه من نتائج، وذلك بالتخطيط والنظر، من الآن، إلى أفق سياسي وانتخابي أبعد يمتد حتى الرئاسيات المقبلة. أما الكاتب باتريك آبل- مولر فقد زعم في افتتاحية بصحيفة لومانيتيه الشيوعية بأن اليسار الذي تمت معاقبته كالحزب الاشتراكي الفرنسي مثلاً إنما وقع ضحية لأطروحاته المهادنة لليمين ولمقولاته التي تزعم إمكانية إضفاء طابع أخلاقي على الرأسمالية، وهذا، في نظر الكاتب، هو سر العزوف الواسع عن التصويت في صفوف ناخبي اليسار، ومن ثم خسارته على مستوى القارة، بصفة عامة. رهان الرئاسيات الإيرانية: في افتتاحية بصحيفة لوفيغارو اعتبر بيير روسلين أن مرشح الرئاسيات الإيرانية مير حسين موسوي، الذي شغل من قبل منصب رئيس الوزراء طيلة الحرب العراقية- الإيرانية، مثل بالنسبة لقطاع واسع من مواطني بلاده أملاً إصلاحياً تعلقوا به طيلة الحملة الانتخابية المحمومة التي استمرت ثلاثة أسابيع، وإن لم يكن مع ذلك رجلاً من خارج سراي النظام السياسي القائم في إيران منذ اندلاع ثورة 1979. فقد استفاد موسوي من موجة الاستياء الواسع في صفوف الطبقة الوسطى من أداء النظام الحالي. ذلك أن حجم الإحباط مما انتهت إليه وعود نجاد حين جاء للرئاسة قبل أربع سنوات بأنه سيحارب الفقر، وسيعيد وضع الاقتصاد الإيراني على السكة، انتهت إلى تردٍّ اقتصادي لا جدال فيه، وفوات واضح لفرصة الاستفادة من طفرة الارتفاع الهائل لأسعار النفط خلال السنتين الماضيتين، هذا طبعاً زيادة على إطباق العزلة الدولية بأطواقها على البلاد. ومع ذلك يذهب الكاتب إلى أن الآمال الدولية والداخلية الواسعة التي علقت على موسوي لم تكن واقعية. ففوزه حتى لو كان وقع ما كان له أن يحدث تغييراً ذا شأن في تعقيدات المعادلة السياسية الإيرانية، بالنظر إلى أن المرشد الأعلى هو من يمسك في الواقع بالقرار النهائي في مختلف الملفات الحساسة ومن يصدر التوجيهات ومن يوجه الخيارات الدبلوماسية للبلاد. ومن هنا فإن الخطاب السياسي الجديد الذي حمله موسوي لم يكن ليمكنه، لو كان نجح، من فرض تغيير أو تحوير سياسي على توجهات النظام. وعلى العكس لو كان نجح لكانت القوى شديدة المحافظة ستتوحد وتستجمع قواها وتدخل في مواجهة معه تماماً كما حصل بعد انتخاب خاتمي. وفي الجهة المقابلة قد يجد نجاد نفسه مضطراً الآن بعد الفوز الى تغيير كثير من مواقفه وتليينها وإضفاء مسحة مرونة عليها خاصة بعد كل ما سمع من نقد وكشف لأخطاء سياسته في السجال الانتخابي المحموم الذي عرفته الحملة. وفي الاتجاه ذاته من التحليل ذهب أيضاً مقال في صحيفة لوموند اعتبر كاتبه أن ظاهرة موسوي التي عرفتها هذه الانتخابات نفضت الغبار عن استقطاب سياسي ظن كثيرون أن الزمن قد خفف من حدته، وخاصة في ضوء عودة الشد والجذب، إلى هذا الحد، بين التيارين الإصلاحي والمحافظ في طهران. وتكشف الصحيفة أن موسوي، المولود في 29 سبتمبر 1941، وذي الأصول الأذرية تمكن من جعل شخصيات براجماتية ونافذة تصطف إلى جانبه بعضها سراً مثل رفسنجاني وبعضها الآخر علناً مثل خاتمي. كما أنه ليس بعيداً أيضاً عن المؤسسة الدينية فقد عرف عنه قربه من زعيم الثورة الراحل الخميني وابنه أحمد، وهما اللذان فرضاه عام 1981 رئيساً للوزراء بدلاً من ولايتي، الذي نافسه حينها على المنصب. ومن جانبها وصفت افتتاحية لفابريس روسيلو في صحيفة ليبراسيون هذه الحملة الانتخابية الإيرانية بأنها أشرت إلى رغبة قوية لدى القطاعات السكانية الشابة -والنساء- في ضرورة حدوث التغيير، فقد اكتشف الإيرانيون مجدداً معنى السياسة، وملوا حالة العزلة الدولية والتدهور الاقتصادي التي تكرست خلال السنوات الأربع الماضية، وباتوا يحلمون بالتغيير، وظنوا أن المرشح موسوي سيحمله إليهم. كما توقع المجتمع الدولي منه -لو كان نجح- أن يكون أكثر حساسية سياسية لأهمية انفتاح أوباما ورغبته في الحوار. هزيمة "حزب الله"... نصر لتوجهات أوباما: صحيفة لوفيغارو حللت في افتتاحية لها دلالات الهزيمة الانتخابية التي مني بها "حزب الله" في الانتخابات اللبنانية، مشيرة إلى دوافع وخلفيات هذه الهزيمة لجهة تأكيدها على رغبة الناخب اللبناني في دعم القوى الأكثر اعتدالاً، وأيضاً لجهة خدمتها للأجندة الإقليمية التي تسعى إدارة أوباما الآن الى التأليف بين مفرداتها المتنافرة ضمن سياسة إقليمية ذات نفَس تصالحي متوازن. فقد كان لفوز قوى 14 آذار المنافسة لـ"حزب الله" وتحالفه كثير من الأسباب والسياقات المحلية اللبنانية، والإقليمية، والدولية. وفي مقدمة تلك الأسباب التصويت على نطاق واسع في صفوف الطائفة المسيحية بعد دعوة البطريرك الماروني نصر الله صفير لمواجهة "الخطر الماثل على وحدة لبنان وعروبته"، وهو ما دفع كثيراً من المسيحيين إلى عدم التصويت للجنرال عون المتحالف مع "حزب الله". هذا إضافة إلى إعلان الرئيس الإيراني عن تأييده العلني للمعارضة التي تشمل "حزب الله"، وتمجيد حسن نصر الله للاجتياح الذي نفذته حزبه لبيروت في مايو 2008. وقد تفاعلت كل هذه العوامل والمؤشرات لتنتج أغلبية ناخبة من اللبنانيين لا تريد المضي بعيداً ببلدها في سياسات التحدي والمشي على حواف الهاوية، ولا تريد قبل هذا وذاك الرهان على تنفير الدول العربية المعتدلة من لبنان، فصوتت الأكثرية ضد الحزب وتحالفاته ورهاناته الإقليمية والدولية. إعداد: حسن ولد المختار