خلال شهر عاشت منطقتنا أربعة أحداث مهمة شكلت محطات لما سيكون عليه الوضع في المنطقة للمرحلة المقبلة، وتتلخص في ثلاثة انتخابات فاصلة، إضافة إلى خطاب الرئيس أوباما. فقد عشنا في المنطقة ثلاثة استحقاقات انتخابية صاخبة بترقب وحبس للأنفاس، من انتخابات مجلس الأمة الكويتي في 16 مايو الماضي، إلى انتخابات الرئاسة الإيرانية في 12 يونيو الجاري، وبينهما كانت انتخابات البرلمان اللبناني في 7 يونيو. والخيط المشترك بين كل تلك الانتخابات التي تابعها كثيرون ليروا مستوى وعمق "التغيير"، الذي بقي مجرد شعار، هو أننا لم نشهد تغييراً جدياً، بقدر ما كان التغيير حاصلاً فقط في الشكل أكثر منه في المضمون والعمق. وقد رفع جميع المرشحين والمتنافسين شعار ولواء الإصلاح والتغيير، وحتى هؤلاء الذين هم في السلطة، ومن يطمحون للوصول إليها، رفعوا سواء شعار "التغيير". كما تقاطعت شعارات التغيير "الانتخابي" مع خطاب أوباما "التاريخي"، وتناوله التغيير في مواقف وسياسة بلاده تجاه الإسلام والمسلمين في العالم. في الكويت، على رغم التفاؤل والكثير من التنظير عن نتائج انتخابات مجلس الأمة "التاريخية" التي شهدت تغييراً بفوز المرأة للمرة الأولى كـ"نائبة"، مع تراجع تمثيل القوى الإسلامية والليبرالية والمستقلين والكتل السياسية المنظمة، إلا أن التعقيدات السياسية الكويتية والاحتقان "والتأزيم" بقيت الصفة السائدة والعلامة الفارقة التي تصبغ المشهد السياسي الكويتي، بما يعرفه من علاقة دائمة التوتر بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. ولم يتعلم النواب الجدد والعائدون، ومعهم الحكومة الجديدة، من التجارب السابقة. وأتى التشكيل الحكومي بنسخة منقحة لطبعة قديمة بالمحاصصة واتباع الطرق التقليدية التي لم تمنح الحكومة الأغلبية لتصمد أمام هجمات مجلس الأمة. وامتنعت القوى السياسية عن المشاركة. ولم ينجح وصول المرأة نائبة، كما ادعى بعض الوزراء والمحللين، في تهذيب لغة الحوار في قاعة المجلس، وفي العلاقة بين السلطتين. بل بالعكس، زادت حدة الطرح وارتفعت وتيرة الصراخ والاتهامات بين النواب أنفسهم، وبين النواب والوزراء، في الجلسات الأسبوعية الثلاث الأولى. وفوق ذلك، صُدم من توقع تهدئة، حيث تم تقديم أسرع استجواب من نائب لوزير في تاريخ مجلس الأمة! مما يؤشر إلى علاقة مضطربة تؤذن بقِصر عمر المجلس والحكومة كسابقيهما في نظام قد يستمر في إعادة إنتاج الأزمات. وواضح إذن ألا تغيير في الكويت على رغم الإفراط في التفاؤل. وفي لبنان، وبعد الانتخابات التي أتت نتائجها بعكس التوقعات، بقيت الأوضاع تراوح مكانها على رغم خطاب التغيير المتفائل كذلك. فالأغلبية والمعارضة حافظا على مواقعهما، وسط تشكيك في قدرات مراكز استطلاعات الرأي التي فقدت صدقيتها لتوقعاتها الخاطئة، والتي لم تأخذ في الحسبان تأثير جرح 7 مايو 2008 على أحياء بيروت كعامل مؤثر على نتائج انتخابات 7 يونيو الجاري. وعلى رغم كسب الأغلبية للجولة، إلا أن ثمة أكثر من سؤال كبير في لبنان اليوم: ما الذي سيتغير في هذه الديمقراطية اللبنانية العجيبة المسماة "ديمقراطية توافقية"، بعكس الديمقراطيات النسبية؟ وماذا عن الضمانات والثلث "المعطل" أو "الضامن" وتركيبة الحكومة والوزراء وسلاح "حزب الله" والدولة؟ وهنالك أسئلة أخرى عديدة أخرى ستُبقي لبنان في الدائرة المفرغة، منفعلاً بتأثير وأدوار عدة لاعبين إقليميين ودوليين. وهكذا فلا مجال لتغيير حقيقي في لبنان الذي سيبقى يسدد فواتير الانقسامات، كحاله منذ مئات السنين. أما في إيران، فعلى رغم ما قيل عن "التسونامي الأخضر" لمير حسين موسوي المنافس الرئيسي لنجاد، إلا أن هذا الأخير فاز بالرئاسة، وأُعيد انتخابه لفترة ثانية، وهذا من ثوابت النظام الإيراني، فالرئيس دائماً ما يفوز بفترة ثانية منذ الثورة. وبالتالي فلا تغيير في إيران. وبهذه الكيفية ستبقى المواقف والسياسات الإيرانية على حالها في العلاقة المتوترة مع الخارج. وسنبقى في الخليج نعيش في جيرة صعبة، ونتأرجح بين احتمالات حدوث صفقة أو صفعة بين طهران وواشنطن. وحتى لو كان مير حسين موسوي، الإصلاحي المحافظ، فاز فعلاً بالرئاسة، فلم يكن ذلك ليغير الكثير من مواقف طهران وملفاتها المتوترة مع جوارها القريب والبعيد. وأخيراً مع خطاب أوباما للعالم الإسلامي، الذي نخشى أن يكون التغيير فيه هو أيضاً مقتصراً على الشكل والأسلوب والكلام المنمق، والذي قد يكون أشبه بارتداء قفازات حريرية بدلاً من الفولاذية، يبقى التساؤل المشروع، بل التشكيك المشروع: هل سيكون هناك تغيير حقيقي فعلاً في الثوابت الأميركية، بحيث يتم تقديم القيم على المصالح في مستقبل العلاقة بين أميركا والعالم الإسلامي؟ ولكل ذلك نستطيع أن نقول بثقة، إن لدينا انتخابات، وخطباً كثيرة، ومواقف متعددة، ولكن بتغييرات حقيقية قليلة. ويبقى السؤال الكبير: أين إذن هذا التغيير الذي نسمع عنه كثيراً إلى درجة أنه صدَّع رؤوسنا، ولكن لا نرى له أثراً؟