ضمن العديد من الاقتراحات التي قدمت على مدى أكثر من عشرين عاماً وتم الأخذ ببعضها في نطاق مجلس التعاون الخليجي، تواردت إلينا فكرة تقديم اقتراح جديد ومهم يتعلق بضرورة وضع ميزانية مشتركة لدول مجلس التعاون، مثلما هو الحال في الاتحاد الأوروبي، حيث تدفع كل دولة عضو في الاتحاد ما نسبته 1 في المئة من دخلها القومي، كمساهمة في ميزانية الاتحاد. وتعتبر هذه الميزانية السنوية مهمة للغاية في تعميق التعاون والتنسيق بين البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، حيث تستخدم موارد هذه الميزانية في أكثر من غرض، فمن خلالها تتم مساعدة البلدان التي تعاني نقصاً في التمويل أو تنفيذ مشاريع تساهم في رفع مستويات المعيشة لتبدو متقاربة بين البلدان الأعضاء لضمان الاستقرار وتقليص الفوارق المعيشية داخل المجتمع الأوروبي، لتشمل كافة الأعضاء الغني منها والأقل غنى. وبالفعل، فقد استفادت بلدان أقل نمواً، مثل البرتغال واليونان ومالطا، وبلدان أخرى أكثر غنى كبريطانيا وفرنسا من ميزانية الاتحاد، كما أن المفوضية الأوروبية اقترحت مؤخراً زيادة هذه المساهمة إلى 1.14 في المئة من أجل تلبية متطلبات انضمام بلدان أوروبا الشرقية للاتحاد الأوروبي لزيادة معدلات التنمية فيها ورفع مستويات المعيشة للأعضاء الجدد. وأثناء جمع البيانات لتدعيم هذا الاقتراح وإثبات فعاليته للتجمع الخليجي، لا نغفل الواقع المعقد الذي يمر به التعاون الخليجي، والذي يتجاوز أحياناً الاتفاقيات الموقعة، وبالأخص اتفاقية الاتحاد الجمركي التي تتيح مرور السلع بيسر وسهولة بين دول المجلس، بل إنها ترمي في نهاية المطاف إلى إلغاء الحدود الجمركية واعتماد نقطة الدخول الواحدة بين هذه البلدان، كما جاء في اتفاقية الاتحاد الجمركي. وما دام هناك تجمع وتكتلات، فإن الاختلاف في وجهات النظر أمر وارد، فبريطانيا على سبيل المثال منحت نسبة أقل للمساهمة في ميزانية الاتحاد أثناء حكم مارغريت تاتشر بسبب وضعها الاقتصادي الصعب في ذلك الوقت، حيث تطالبها بلدان الاتحاد في الوقت الحاضر بدفع نسبة 1 في المئة بعد تحسن الاقتصاد البريطاني، وترفض بريطانيا ذلك لأسباب خاصة بها وتحاول حل هذه القضية بصورة حضارية من خلال المفاوضات. ولحسن الحظ أنه دائماً ما يتم تجاوز العقبات التي قد تعترض من حين لآخر مسيرة التكامل الخليجي، لأنها لا تمس المصالح الاقتصادية لدولة واحدة فحسب، وإنما تمس أيضاً مصالح كافة دول المجلس بدون استثناء، وبالأخص القطاع الخاص ومصالح العديد من البلدان العربية الشقيقة، التي تعاني هي الأخرى أصلا من تداعيات الأزمة المالية العالمية. وبالإضافة إلى ذلك عودتنا دول المجلس على حل أية قضايا معقدة، قد تظهر، بكثير الحكمة والتروي. والحال أن الهدف من طرح موضوع أية تعقيدات في الجهد الاقتصادي الخليجي المشترك، حتى بعد تجاوزها، يرمي عملياً إلى التنبيه إلى ضرورة تفادي حدوثها في المستقبل، فالمكان الطبيعي لكافة هذه الدول هو التجمع الخليجي الذي يعتبر التجربة العربية الوحيدة الناجحة والقابلة للنمو والتطور، بشرط ترجيح العقل والمنطق وحل الاختلافات في وجهات النظر بالأساليب التي تتناسب والعلاقات الأخوية التاريخية بين بلدان المنطقة. أما الاقتراح الخاص بالموازنة الخليجية المشتركة، فقد تم تأجيل المزيد من الاستفاض فيه الآن على أن الأساس هو أن تسود دائما روح التعاون، وهي ميزة خليجية نعتز بها كثيراً، وذلك بهدف تعزيز المصالح المشتركة وسد الثغرات التي يمكن أن تسيء إلى التجمع الخليجي الواعد.