كما توقع المهتمون بدراسة الدولة العبرية والمتابعين لسياستها، فإن خطاب رئيس وزرائها نتانياهو في جامعة "بار ايلان"، لم يخرج عن خطاب "التطرف والعنصرية" الذي تعودت إسرائيل على التعامل به مع العرب منذ 60 سنة، والذي يعتبر امتداداً للفكر الصهيوني الذي قاد المنطقة طوال هذه الفترة إلى حروب عديدة سال فيها الكثير من الدماء وقتل فيها الكثير من العرب. وها هو نفس الفكر، من خطاب نتانياهو، المليء بالتطرف والعنصرية وعبارات الرفض، ينسف ما يسمى "عملية السلام"، ليؤكد نوايا إسرائيل المتجهة نحو التخلص من هذه العملية. فإسرائيل لا يهمها سوى ضمان تفوقها، وتوسيع مساحتها الجغرافية على حساب العرب، وهي ثوابت إسرائيلية مترسخة في الأجندة الصهيونية منذ أن تكوّن هذا الكيان في فلسطين. هدف إسرائيل هو أن تكون القوة الإقليمية المهيمنة في المنطقة والمسيطرة على مقدراتها. وكان رئيس وزرائها السابق أرييل شارون واضحاً جداً في هذا الأمر عندما قال إن منطقة الأمن الإسرائيلي تمتد من باكستان إلى شمال أفريقيا، ومن تركيا إلى الخليج العربي... وبالتالي فمن حق إسرائيل أن تضرب أي قوة في هذه المنطقة! وقبله صرح مناحيم بيجن، رئيس وزرائها الأسبق، أنه لن يكون سلام لشعب إسرائيل ولا لأرض إسرائيل ولا للعرب ما دمنا لم نحرر وطننا بأجمعه حتى لو وقعنا معاهدة الصلح. كل النقاط التي ذكرها نتانياهو في خطابه، وأهمها: رفضه تجميد المستوطنات، رفضه السماح بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم، واعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، وأن الدولة الفلسطينية لن تقوم إلا بشروط إسرائيلية منها أن يعترف الفلسطينيون بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي... ومع ذلك فدولتهم "الموعودة" ستكون دولة مسخاً؛ من دون جيش ولا سيادة على الأرض أو الجو أو البحر؛ دولة "كانتونات" أو تجمعات ترتبط معاً بأنفاق أرضية تدل دلالة واضحة على أن إسرائيل لا تعرف المواثيق أو الاتفاقيات أو المفاوضات أو أي شيء اسمه السلام بل تعرف فقط لغة الدم والتطرف والهيمنة والاحتلال والإرهاب... وهي ماضية في تحقيق أهدافها القريبة والبعيدة، تتحرك وفق ثوابت لن تغيرها لتمكين الحركة الصهيونية من تحقيق أهدافها الكبرى في المنطقة. وبهذه الصورة فهي تقول إن عملية المفاوضات قد انتهت، وخريطة الطريق ومبادرة السلام العربية التي لم ترد في الخطاب ما هي إلا وهم، وأن القوة قوة السلاح هي التي تفرض نفسها في مجال التفاوض وليس الحوار والدبلوماسية، وأن مسألة الاحتلال للأرض العربية هي الأساس الذي يعطي لإسرائيل مالا يعطيه لغيرها لأنها دولة فوق القانون تستمد قوتها من تزاوج أهدافها الاستعمارية مع أهداف الغرب، ومن حقها أن تفعل ما تريد وما على الآخرين إلا الخضوع لشروطها ومطالبها وأهدافها والقبول بالأمر الواقع. الولايات المتحدة الأميركية التي أعلن رئيسها أنها متجهة لتحسين علاقتها بالعالم العربي والإسلامي، أمام اختبار حقيقي اليوم لاثبات صدق نواياها وجدية ما ذكره أوباما بخصوص الاستيطان، وحل الدولة الفلسطينية، لأن إشكالية التوتر في العلاقة بين الطرفين سببها الرئيسي المواقف والسياسات الأميركية المؤيدة لإسرائيل اتجاه القضايا العربية والإسلامية. الفلسطينيون مطالبون ليس فقط بالرد القوي على هذا الخطاب، بل بتوحيد صفوفهم أولا، وإعداد أنفسهم لكل الاحتمالات الممكنة مستقبلا. العرب أيضاً مطالبون بتحمل مسؤولياتهم في هذه المرحلة، وأن يكون ردهم في مستوى التعنت الصهيوني، وأن يكون هناك تحرك سريع تقوم به الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي لبحث كيفية التعامل مع هذا التوجه الصهيوني المتطرف، واتخاذ مواقف موحدة اتجاهه؛ وأهمها تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في القمة العربية الاقتصادية في الكويت.