في المحاضرة التي ألقاها بمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية حول البحث وأهمية مراكز الأبحاث في العالم، تطرق "جيمس ماكجان" إلى الإحصاءات المذهلة حول مراكز الأبحاث في العالم، مقارنة بالدول العربية. ففي العالم يوجد أكثر من 5500 مركز أبحاث منها 1777 بالولايات المتحدة الأميركية تحتضن واشنطن 374 مركزاً. في المقابل فإن دول الخليج العربي بها فقط 19 مركز أبحاث. وتعد إسرائيل من الدول التي تهتم بالبحث والأبحاث ففيها 48 مركز أبحاث متخصصا، لذلك تأتي قراراتهم مدروسة ونتائجهم أقرب إلى الصواب منها للخطأ. دعوني أربط ما سبق بأحداث الأسبوع الماضي، ثم سأناقش بعض أسباب فشل البحث في العالم العربي. بعد خطاب أوباما في القاهرة، الذي وجهه للعالم العربي والإسلامي، حبس العالم أنفاسه بانتظار خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي، وكأن الرجل سيتحدث من فراغ، أو سيخطب خطبة عصماء لن يحاسبه عليها أحد، الأمر مستساغ عندنا نحن العرب، لكن في الدول التي ترتكز على البحث العلمي الدقيق لا تجري الأمور حسب أهواء الزعماء أو القادة، لكنها منظومة مترابطة الحلقات متسقة التوجهات. والكلمة المدروسة أقرب للتحقق منها للتبخر. ففي استطلاع للرأي أجري قبل خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي من قبل معهد "ماجار موشوت"، تبين أن 60% من الإسرائيليين يدعمون مواصلة بناء المستوطنات، وأن من بين كل عشرة إسرائيليين، هناك ستة يعتقدون أنه ينبغي على نتانياهو مقاومة المطالب الأميركية بتجميد بناء المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، لذلك جاءت كلمة نتانياهو شديدة علينا نحن العرب، فقال كلمته المشهورة، والتي كانت من أوضح الرسائل لنا نحن العرب، بل للعالم كله أنهم في إسرائيل على استعداد لقبول دولة فلسطينية بشرط أن تكون منزوعة السلاح، في مقابل الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، أما اللاجئون الفلسطينيون، فيجب أن يكون لهم مكان خارج إسرائيل "وطنهم الذي أخرجوا منه"، وستبقى القدس عاصمة موحدة لإسرائيل "شئتم يا عرب هذا أم رفضتم". وهل هناك وضوح أكثر من هذا يا عرب. النتيجة المتوقعة من العرب كانت كما يلي: المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية يقول إن خطاب نتانياهو نسف كل مبادرات السلام والحل في المنطقة. وياسر عبدربه يقول نتانياهو يريد أن تكون دولة فلسطين محمية إسرائيلية. ومعالي الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، قال إن الخطاب يتناقض مع الأسس والمبادئ، التي يقوم عليها السلام العادل والشامل، ويعطل مشروع الحل القائم على الدولتين. جامعة الدول العربية قالت: إن الخطاب محبط وتعجيزي. وصفته مصر بأنه تشوبه عيوب، ويجهض احتمالات تحقيق السلام. سوريا تقول إنه خطاب رفض صريح للسلام. بالله عليكم هل نلوم نتانياهو الحريص على دولته وسمعة حزبه في الانتخابات أم نتحدث عن فصاحة البيان واللسان العربي الذي شبعنا منه التشدق والوعيد؟ من يبحث في خطابات الدول المتحضرة، يجد أنها مبنية على أسس علمية ودراسات تهتم بالمستقبل، كما أنها ترتبط بالواقع المعاش، وهذه الدراسات للأسف الشديد لاتكاد توجد لها بيئة في العالم العربي، لأننا نفتقد أهم أسس البحث العلمي الدقيق والتي منها: الحرية والتي دونها لن يكون هناك بحث دقيق، ولن نصل إلى نتائج صحيحة. هل تصدق أنه في بعض الدول العربية، كي يقوم الباحث أو الأستاذ الجامعي بتوزيع استبانة لبحث يجريه، لابد أن يحصل على موافقة من الجهات المختصة حول مضمون وتوجهات وأسباب هذه الاستبانة، وماذا بقي للباحث بعد ذلك؟ الأعجب من هذا أن نتائج الأبحاث لا تُعلن إنْ جاءت غير مناسبة للتوجهات العامة. كم منكم سمع عن نتائج دراسة في العالم العربي بينت خللاً معيناً في جانب من الجوانب. دون حرية لا يوجد بحث دقيق، ولو أضفنا على عامل الحرية معامل الميزانية المخصصة للبحث، لوضعنا يدنا على بعض جوانب الخلل.