أعجب ما في الأمر أن تصبح خطبة الجمعة، بعد الصلاة، الوسيلة المفضلة لإبلاغ الشعب بأن عليه أن يذعن. كان يكفي بيان يُذاع على الناس ويتضمن كل التهديدات والتحذيرات الممكنة، لكن بعيداً عن التعبد والصلاة. لم يترك المرشد للإيرانيين الغاضبين سوى الخضوع لنتيجة الانتخابات،. كان مفحماً حين قال إن فارق الأحد عشر مليون صوت بين محمود أحمدي نجاد ومير حسين موسوي لا يمكن أن يكون التزوير وراءه. لكنه لم يقل من أين جاءت أصلاً ملايين الأصوات الفارقة هذه. لا بد أنه علم بما أعلنه المرشح محسن رضائي، الذي قال إن نسبة التصويت في بعض المناطق بلغت مئة وأربعين في المئة. كانت مناسبة الحديث بعد الصلاة لتستحق من المرشد أن يصارح الإيرانيين: لا تغضبوا ولا تحزنوا، كانت فرصة لتكتشفوا حقيقة نظامكم، لقد نصحتكم مسبقاً بالتصويت لمن اعتبرته الأكثر أهلية والأكثر قرباً من آرائي، لكنكم ركبتم رؤوسكم واستسلمتم للوثة تسمونها الديمقراطية، هذه ليست سوى منتج ابتدعه الكفار والمنافقون لإيهام الناس بأنهم يختارون فعلاً حكامهم. مثل هذه البدع تجاوزته ثورتنا لأنه لا يناسبنا ويتنافى مع مبادئنا. كلكم سواسية تحت سقف الثورة وفي كنفها، فلا يظنن أحد أن من فاز أو من خسر يستطيع أن يغير شيئاً بمعزل عن إرادة المرشد. حقاً، لا بد أن الإيرانيين اكتشفوا، بعد خطبة المرشد، أن فكرتهم عن نظامهم كانت قاصرة أو ناقصة. يلزمهم أكثر من موسوي وأكثر من كروبي، كما لزمهم أكثر من خاتمي، لرؤية بداية للتغيير. الأخطر أن يكونوا أدركوا أن ما أملوا به خلال الحملة الانتخابية وفي خروجهم المليوني إلى الشارع لم يكن سوى وهم. فحتى بضع عشرات القتلى لم يسقطوا إلا ضحية مجرد تكشيرة. من لم يفهم عظة المرشد، على رغم وضوحها، فليعد إلى الموقف الذي أبداه الأمين العام لـ"حزب الله" في لبنان بعد الانتخابات. الظروف المختلفة لم تعدل شيئاً في المفاهيم. فالحزب وحلفاؤه لم يحرزوا الأكثرية في المجلس النيابي الجديد. خسروا اثني عشر مقعداً وكانوا يطمحون على الأقل إلى ثمانية منها ليحصلوا على النصف زائد واحد، ما يخولهم تسمية رئيس الوزراء والتحكم بتشكيل الحكومة ونهجها وقراءتها. صحيح أن المرشد قبل نتيجة الانتخابات في إيران كما قبلها حسن نصر الله في لبنان، لكن قراءة الفائز للنتائج لا تحتاج إلى الحجج التي تستند إليها قراءة الخاسر، ومع ذلك فإنهما يتوصلان في النهاية إلى خلاصة واحدة: طالما أنك تتحكم بعناصر اللعبة وقواعدها، فلا أهمية أبداً لما يخرج من صناديق الاقتراع. إذا ربحتها فلا بأس لأنك ستصادف عقبات أقل لتفعل ما تريد، وإذا خسرتها فإنك في أي حال ستفعل ما تريد. إذاً، فالاثنان فائزان. استطراداً، تنكشف المسماة "مؤسسات"، وأقصى ما تستطيعه في أفضل الأحوال أن تعبر عن وجود انقسام ويترك للشخص نفسه أمر إدارته والعبث به والاستفادة منه. هناك جيش في إيران، لكن هناك "حرساً". وهناك جيش في لبنان، لكن هناك مقاومة. وكما يتدخل "الحرس" الآن لترهيب المتظاهرين في طهران، كان "سلاح المقاومة" تدخل لترهيب الناس في بيروت. وإذا كان هذا السلاح شل الدولة وأقفل المجلس النيابي طوال ثمانية عشر شهراً في لبنان، فإنه عطّل ويعطّل طموح الإيرانيين إلى الحرية، وصادر ويصادر مستقبلهم. الحالة الإيرانية في لبنان تشرح الحالة في إيران. لكن نتائج الانتخابات وتداعياتها سلطت الضوء على الطابع المؤقت لهذه الحالة التي لا تستطيع العيش إلا في مناخ مأزوم لا يمكنه أن يدوم. عبدالوهاب بدرخان كاتب ومحلل سياسي - لندن