تداعيات نتائج الانتخابات الإيرانية الحالية لا يمكن فصلها إطلاقاً عما هو متعارف عليه من الغموض الذي يكتنف السياسة الإيرانية وصعوبة فهم الإشارات القادمة من طهران. المتابع للشأن الإيراني وتطورات الوضع منذ نجاح الثورة في نهاية السبعينيات إلى ما يحدث اليوم، يدرك أنه لا جديد فيما يحصل على الأرض، وأن المفاجآت التي يتحدث عنها المراقبون ليست سوى لعبة توازنات داخلية، وأن المظاهرات والمسيرات جزء من تركيبة النظام الإيراني الثوري؛ فقد حصلت مثل هذه المسيرات في إيران أكثر من مرة، لكن في النهاية كان يتم تهدئتها وإخمادها، وبالتالي تعود الأمور إلى طبيعتها. وما يحدث الآن ما هو سوى نقاش بين أبناء الثورة الواحدة، وكان موجوداً في الخفاء، وما كان يخرج هو عبارة عن تسريبات إعلامية، وربما كان آية الله حسين منتظري، الخليفة السابق المفترض للخميني، أحد ضحاياه، وقد أفرج عنه من إقامته الجبرية خلال هذه التطورات. من الصعب التصديق بأن الاختلافات قد تطال النظام القائم، وخاصة القادة المستفيدين، وإلا فإن الجميع سيخسر، بما فيهم الإصلاحيون. ما يجري في إيران، علناً، يجب ألا يضعنا محل استغراب وأن نصف الأمور بسهولة بأنها خارج سيطرة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، آية الله خامنئي، الذي تزعزعت مكانته ليس لعدم الإيمان بخلافته للخميني بقدر ما هو من منطلق دعمه وانحيازه للرئيس الفائز أحمدي نجاد. ففي الخلافات السابقة كان خامنئي يقف على الحياد، أما في هذه الانتخابات فانحيازه هو الذي استفز خصوم نجاد، وخاصة رفسنجاني، رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، خوفاً على موقعه بعد أن هدد نجاد بمحاسبته، وليس كما يعتقد الكثيرون بأن السبب هو تغيير إيمانه بولاية الفقيه؛ لأنه بذلك ينهي هو الآخر نفسه. فشرعية النظام الإيراني قائمة على هذا المبدأ. المؤشرات القادمة من إيران تقول إن نجاد هو الرئيس لولاية ثانية في إيران حتى مع إعادة فرز الأصوات جزئياً في بعض مراكز الاقتراع وبحضور مندوبين من الإصلاحيين، بل إن رفسنجاني نفسه لن يقبل بتغيير النتائج، باعتباره هو الآخر جزءاً من القيادة الإيرانية؛ بمعنى أنه إذا حدث تغيير في النظام فسيكون هو نفسه موضع شك. في الواقع، إن ما يحصل الآن هو صراع من أجل التقاسم العادل والخفي للسلطة في إيران، وبالطريقة الإيرانية الاعتيادية، ثورة في كل شيء ولكن دون مساس بالنظام. الإصلاحيون يشددون من أجل تدعيم موقفهم في مؤسسات الدولة كلها، وليس في الحكومة القادمة التي سيشكلها نجاد، وإن كان أغلبها سيكون من المحافظين. وبالتأكيد، إن هذا التغيير يقوده رفسنجاني من داخل الثورة. فالموضوع، كما قال المرشد في خطبته يوم الجمعة، إنهم كلهم أبناء الثورة. وما يريده رفسنجاني، البراجماتي، هو تحسين صورة إيران في الخارج والداخل، وكذلك الانفتاح الاقتصادي على الخارج؛ فهو رجل اقتصاد، ولكن دون المساس بالقبضة الحديدية على السياسة، وما يعمله الآن هو وفريقه مير حسين موسوي، ومهدي كروبي هو محاولة تخفيف سيطرة القبضة الدينية على مؤسسات الدولة التي قد تضر إيران الثورة، حيث المتوقع زيادة العقوبات الدولية، وربما الحرب. مخطئ من يعتقد أن الإصلاحيين فوجئوا بإعادة انتخاب أحمدي نجاد للفترة الرئاسية الثانية، وأنهم لم يتوقعوا إمكانية عودته إلى السلطة، باعتبار أن رفسنجاني وفريقه أدرى قبل غيرهم من المراقبين بالخلفيات السياسية الحاكمة وراء كواليس السياسة الإيرانية، ومخطئ أيضاً من يعتقد أن المسيرات الحالية يمكن أن تحدث ما أحدثته في جورجيا؛ لأن ما يفعله الإصلاحيون الآن لا يتعدى "تخفيف" وليس "إبعاد" سيطرة المحافظين على السلطة ومن ثم الاستفراد بها مستقبلا، خاصة وأن المحافظين يدركون أن هذه آخر مرة يكونون فيها على سدة الحكم، لذلك يمكن أن يعملوا الكثير من أجل استمرارهم. الحاصل لا يعدو أن يكون نوعاً من محاولة الضغط من أجل الحصول على امتيازات أكبر لصالح فريق الإصلاحيين بقيادة رفسنجاني.