القرار الذي اتخذته "لجنة التراخيص الطبية" في "هيئة الصحة" بأبوظبي، مؤخراً، باستبعاد المدير التنفيذي لأحد المستشفيات الخاصة عن العمل، مع إحالته إلى القضاء بسبب سماحه لطبيبة غير مرخّص لها، ومدرجة في قوائم الممنوعين من ممارسة مهنة الطب في الإمارة؛ لتعدّد أخطائها الطبيّة؛ بإجراء ولادة لأمّ أدّت إلى إصابة المولودة بشلل دماغي -يمثّل وقفة مهمة مع المستهترين بأرواح الناس وحياتهم في قطاع من أهم القطاعات في الدولة وأكثرها حساسية، وهو قطاع الصحة، كما يوجّه رسالة حاسمة إلى القطاع الطبي مفادها أنه لا تهاون مع أي أخطاء أو مخالفات، خاصة بعد أن تزايدت هذه المخالفات وتراكمت بشكل خطير خلال الفترة الأخيرة. وإذا كانت المخالفة التي ذهبت بالمدير التنفيذي لأحد المستشفيات الخاصة إلى القضاء وأفقدته عمله، مؤخراً، من فئة المخالفات الجسيمة، فإن القائمة تتّسع لأنواع مختلفة من المخالفات لا تقلّ جسامة وخطورة، فهناك بعض العيادات الخاصة التي تلجأ إلى سدّ العجز في أعداد الممرضات الذي تعانيه، إلى إلزام موظفات الاستقبال ارتداء الزيّ الأبيض و"التشبّه" بالممرضات أمام المرضى والمراجعين، في عملية خداع واضحة يمكن أن تؤدّي إلى كوارث خطرة، وأشارت الصحف، مؤخراً، إلى قيام محتالين يدّعون الطب، بطرْق أبواب المنازل، وعرض إجراء عمليات تجميل بأسعار تنافسيّة على السكان، وقد وجد هؤلاء استجابة من جانب بعضهم، وأجروا بالفعل عمليات تجميل منزلية عدة، وتركوا خلفهم ضحايا مصابين بمضاعفات مَرضية خطرة. فضلا عن ذلك فإن بعض العيادات والمؤسسات الطبية الخاصة تلجأ إلى استقدام أطباء قليلي التأهيل والخبرة واستخدام أجهزة طبية قديمة، وذلك بهدف تقليل التكلفة، والسماح بممارسة الطب لمن هم غير مؤهّلين للمهنة، وتشغيل أطباء عليهم تساؤلات حول سلوكهم المهنيّ في السابق أو متّهمين بارتكاب أخطاء طبية في بلدانهم، وهربوا منها. ومع هذه التجاوزات والمخالفات تتزايد الأخطاء الطبية، حيث تشير الإحصاءات الرسمية لعام 2008 إلى تسجيل الجهات المعنية 65 قضية متعلّقة بالأخطاء الطبية، صدرت في ستّ منها أحكام قضائية. وتشير أرقام سابقة لوزارة الصحة إلى أن نسبة الأخطاء الطبية داخل مستشفيات الدولة تبلغ 1.5 في المئة من مجمل الحالات الطبية، وأن تكلفة إصلاح هذه الأخطاء تبلغ سبعة أضعاف تكلفة العلاج العادي. لا شك في أن الأخطاء الطبية واردة في كل مكان في العالم، لكن المشكلة تظهر عندما تتكرّر هذه الأخطاء بشكل كبير وتتجاوز الحد المسموح به من ناحية، وعندما تأتي نتيجة لخطأ أو مخالفة كبيرة ومقصودة من ناحية أخرى، وهنا لابدّ من التصدّي للأمر والعمل على معالجته بقوة وحزم. إن تغليظ العقوبات على مخالفات المؤسسات الطبية وتجاوزاتها، يشكّل رادعاً مهماً لوقف هذه المخالفات ووضع حدّ نهائي لها، ويكرّس حالة الثقة بالقطاع الطبي في الدولة، خاصة القطاع الخاص الذي يعدّ شريكاً رئيسياً للقطاع الحكومي في تغطية الخدمات الطبية لجميع أفراد المجتمع. إن المخالفات الطبية التي يتمّ ارتكابها من قبل بعضهم تنال من الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة في مجال الارتقاء بالصحة ورفع مستوى الخدمات الصحية، وتقدم صورة مشوّهة عن قطاع الصحة في الدولة يمكن أن تكون لها نتائج سلبية على أكثر من مستوى، خاصة في ما يتعلّق بالسياحة، وهذا يجعل من الضرب بقوة على أيدي المخالفين والمحتالين والمتاجرين أولوية كبرى.