ربما كانت الاحتجاجات حول نتائج انتخابات الرئاسة في إيران تميل نحو الانحسار، لكن إيران بعد هذه الاحتجاجات ستعيش بلاشك واقعاً جديداً. والتساؤل الآن: هل ستتشكل حركة شعبية أو سياسية ذات معالم واضحة في إيران تدعو لتغييرات معينة؟ ليحدث ذلك لابد من عناصر رئيسية، هي القيادة المحددة، والمطالب الواضحة، وهياكل تنظيمية. فهل هناك ما يتبلور بهذا الاتجاه؟! يدرك الباحثون المختصون بديناميّات الحركات الشعبيّة والجماهيريّة أنّ الشرارة التي تجعل الجماهير تخرج إلى الشارع عادة تكون حدثاً معيناً، لا يمثل السبب الكامل لإحداث المد الجماهيري، بل هو نقطة انفجار لوضع محتقن أصلا، وبالتالي فإن ملابسات الانتخابات الرئاسية في إيران ليست السبب الوحيد وراء حركة الشارع، ولن تكون الانتخابات هي المحور الفعلي لحركة سياسية أو شعبية مقبلة، إن كان شيئاً من هذا سيتشكل. ما حدث في إيران في الأيّام الفائتة يشتمل على احتمال أنّ عناصر حركة سياسية ممتدة زمنيّاً ربما أخذت في التبلور، وهي ليست بالضرورة حركة على شكل التظاهرات التي رأيناها في الأيام الفائتة، بل قد تأخذ أشكالا مختلفة أكثر تنظيماً وربما أقل صخباً، في المراحل الأولى على الأقل. على صعيد عنصر "القيادة" الضرورية لأي حركة سياسية شعبية، أصبحت هناك رموز للمعارضة متمثلة في المرشح الرئاسي حسين موسوي والرئيس السابق محمد خاتمي، مدعومين برجال دين بعضهم من رتبة "آية الله"، ممن يعارضون أصلا نظام "ولاية الفقيه" أو يريدون تقييده أو يريدون جعل منصب الولي الفقيه ممثلا بمجلس فقهي جماعي وليس في شخص بعينه، يضاف إليهم عدد من السياسيين البراجماتيين أصحاب الأهداف السياسية الخاصة، وسيكون لحسم موقف الرئيس السابق رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، ورئيس مجلس الخبراء هاشمي رفسنجاني دور مهم في بلورة مدى وجود هذه القيادة وهويتها. وقد دعا حسين مراشي، رئيس حزب "كاركزاران" القريب من رفسنجاني في لقاء مع "فايننشال تايمز" نشر الاثنين الفائت، موسوي إلى تشكيل "جبهة سياسية" لخوض حملة طويلة الأجل مع الحكومة الحالية. على صعيد عنصر "المطالب"، فإنّها آخذة في البروز للسطح، وتتمثل في التشكيك في البناء الدستوري للنظام، وبالتالي في فلسفة النظام القائمة على فكرة "الولي الفقيه"، وإن كان ذلك من باب المطالبة بمراجعة الدور والصلاحيات لصاحب هذا المنصب وليس إلغاءه بالضرورة. وأولى تجليّات هذه المطالب هي الدعوة لوقف إقصاء الإصلاحيين عبر هيئات الدولة الدستوريّة، وهذا ما عبّر عنه محمد خاتمي برفضه أن يكون "مجلس صيانة الدستور" مرجعاً للنظر في الانتخابات الأخيرة، باعتبار أنّه "لم يكن محايداً أثناء الاقتراع"، وهنا يجب أن نتذكر أنّ هذا المجلس هو ذاته الذي منع 1700 مرشح إصلاحي من خوض انتخابات البرلمان العام الفائت. وكذلك دعا الكاتب السياسي الإصلاحي، كاظم موسوي بجندوري، في مقال على موقع تابع لحزب "اعتماد ملي" إلى تشكيل حزبين سياسيين كبيرين، أحدهما إصلاحي والآخر أصولي، مع وضع أطر لضمان ديمومة التنافس بينهما على أسس سليمة، وأيّد الباحث الإصلاحي بيجين عبدالكريمي، هذا الطرح ضمناً، مصراً على مبدأ "التعددية السياسية"، طالباً من الولي الفقيه ألا ينحاز لتيار دون آخر وأن يكون دوره "أبويّاً مع كافة التيارات". والراهن أن ما يحدث في إيران حاليّاً هو محاولة الوقوف في وجه التيار الأصولي – العسكري الحاكم بأذرعه الإعلامية والسياسية والأمنية التي تريد تعظيم سلطات الولي الفقيه وزيادة جرعة الحصانة الدينية والتبريرات الغيبية للسلطة المطلقة وجعلها فوق النقد والمساءلة. والسؤال الآن: هل يتمكن التيار المقابل الداعي لدولة أكثر مؤسسية ومدنيّة من بناء مقومات حركة سياسية أو شعبيّة طويلة الأمد تواصل تقديم مطالبها، أو يمكن أن تكون لها كلمة مؤثرة عندما يحين موعد انتخابات جديدة برلمانية أو رئاسية أو سواها، أم سيمكن احتواء هذه الحركة، ومنع تبلورها؟ عمليّاً هذه المواجهة ذات أهميّة تخرج عن إطار إيران لأنّها تتعلق بفكرة الحكم الديني ككل، سواء في تيارات داخل المذهب الشيعي أو كما تريده جماعات أخرى.