الديمقراطية بلغة بسيطة، تعني أن الشعب يختار من يحكمه، وفق منظومة قانونية محددة. ومن معاني الديمقراطية أنها لا تنفصل عنها الحرية، فمن دونها لا توجد ديمقراطية حقيقية، والحرية تقتضي حرية التفكير بالمقام الأول والتعبير في الدرجة الثانية، والاختيار في المرحلة الثالثة . وهذا العنصر بلا شك مفقود في مجتمعاتنا العربية، لذلك فشلت بعض الدول العربية في تحقيق الحد الأدنى من العيش الكريم لمواطنيها. ومن أهم معاني الديمقراطية قبول الآخر، وإعطائه حقوقه في كل ما سبق حتى ولو كان هذا الآخر هو الخاسر في مرحلة من مراحل الانتخابات؛ لأن الأصل السامي من وراء الحكم الديمقراطي، هو توفير العيش الرغيد للإنسان والحفاظ على حقوقه العامه كحقه في الحياة والتعليم والتفكير وغيرها من الحقوق المتعارف عليها دولياً. لكن ماذا يجري للديمقراطية لو تم تعميمها، وأقصد هنا العمامة وليس العموم؟ بلغة أخرى، ماذا ستفقد الديمقراطية لو جاءت نتائجها لفتاوى حزبية؟ قد يفهم البعض أنني أتحدث عن التيارات الدينية، أو الإسلام السياسي كما يقال، وربما شطح البعض بالتفكير وتصور أنني انتقد الانتخابات الإيرانية الأخيرة. وحقيقة المقال أنه أكبر وأكثر عمومية من هذا كله، ففيه أقصد ما سبق إضافة للأحزاب العلمانية أو الليبرالية وغيرها من الأحزاب العربية، التي تلبس لباس الديمقراطية وتعيش حياة الديكتاتورية. ودعوني أفند وجهة نظري ببعض الشواهد من هنا وهناك. فماذا يجري عندما تعمم الديمقراطية؟ من أولى الملاحظات على "تعميم" الديمقراطية، وصول أهل التطرف والتشدد في المواقف أكثر من غيرهم، وهذا ما شهدناه في الانتخابات الإسرائيلية من وصول للمتشددين والأحزاب الراديكالية لسدة الحكم باسم الديمقراطية. كذلك نلمس التوجه نفسه في الانتخابات الإيرانية الأخيرة، مع احترامي لكل من قال إن الانتخابات قد تم التلاعب في نتائجها، حتى في بعض الدول الأكثر تحضراً، نجد أن "تعميم" الديمقراطية له النتيجة نفسها، وكلنا يذكر أميركا لما عممت ديمقراطيتها كيف وصل بعض الأصوليون إلى الحكم، وقادوا العالم إلى حروب هم في غنى عنها. الأخطر من ذلك كله أن الناخب في ديمقراطية العمائم لا يمارس حقه الفطري والمشروع في التفكير، ومن ثم التعبير والاختيار، فمن تعصب إلى حزب والتزم بمبادئه، تجد أنه من النادر أن يصوت لغير أهل حزبه، وقد يقول البعض أليس هذا منطقياً؟ والجواب بالنفي؛ لأن أصل الإنسان ولد كي يفكر ويختار، لذلك تجد أنه يمارس هذا الفعل فقط عندما يكون حراً بعيداً عن الفتاوى الحزبية التي توجب عليه اختيار الشخص وفق فتاوى مصدرة من قائد حزبي أو رجل دين. ففي بعض الانتخابات، تجد شعارات مثل صوتك أنت محاسب عليه يوم القيامة، أو صوّّّت لمن يسرك أن تكون معه يوم القيامة. طبعاً هذه الشعارات، تُقال لعامة الناس، أما خاصتهم فتأتيهم أوامر مباشرة بالتصويت لهذا أو ذاك. وهنا تكون الطامة عندما يكون مع هذا من هو أفضل منه، لكنك مجبر وفق مرجعيتك الدينية أو الحزبية للتصويت لمن يرى غيرك أنه أنسب، وعندها تفقد الديمقراطية كل معانيها السامية. من النتائج المباشرة لتعميم الديمقراطية، ما يعرف مؤخراً بإقصاء الآخر. بلغة أخرى، فإن التيار الفائز ينسى أنه وُجد ليحكم كل الشعب، ويخدم كل الناس دون نظر إلى حزبيته أو من صوتوا له، وهذا الأمر مفقود عندما "تعمم" الديمقراطية، فتجد أن الوزراء يتم اختيارهم ليس حسب كفاءاتهم أو قدراتهم، لكن حسب ولائهم للحزب الفائز. وفي مقابل هذا الاختيار، يتم التضييق على الطرف الآخر، ففي إسرائيل -مثلاً- هناك دعوات متعالية لتهجير العرب من إسرائيل؛ لأنها دولة يهودية، وقد أجازت الديمقراطية الإسرائيلية مؤخراً قانوناً يجرم من يشكك في يهودية إسرائيل، فأين هي الديمقراطية الفعلية، وكم نخسر عندما "تعمم" الديمقراطية؟