ساركوزي يصعِّد ضد "البُرقع"... ونتانياهو يتهرب من عملية السلام تصعيد جديد في قضية البرقع والنقاب في فرنسا، واستمرار التجاذب السياسي في إيران، ومحاولات نتانياهو الالتفاف على استحقاقات عملية السلام في الشرق الأوسط، موضوعات ثلاثة حضرت بقوة في افتتاحيات ومقالات رأي الصحف الفرنسية. سجال "البُرقع" يدخل مرحلة التصعيد: وصفت افتتاحية لصحيفة لوموند السجال الدائر حالياً في فرنسا حول "النقاب" أو "البرقع" بأنه استمرار لسجال الحجاب الذي انتهى خلال السنوات الماضية بإصدار قانون منع ارتداء الرموز الدينية الظاهرة في المدارس. غير أن الجديد الذي فاجأ المراقبين الآن هو إلقاء الرئيس ساركوزي نفسه بكل ثقله وراء الهجمة الحالية على ارتداء البرقع في الفضاء العام، وذلك في خطاب ألقاه أمام البرلمان يوم الاثنين الماضي، حيث أغدق سيلا من الأوصاف السالبة على هذه العادة في اللباس، زاعماً أن فيها انتقاصاً من الحرية، مؤكداً أن "البرقع غير مرحب به على الأراضي الفرنسية". ولم يكتف ساركوزي بمستوى الخطابة فقد أعلن يوم الخميس الماضي أيضاً عن تشكيل لجنة لدراسة الخيارات المتاحة والممكنة فيما يتعلق باحتمال صدور قانون منع ارتداء البرقع، وأمام هذه اللجنة ستة أشهر لتقديم توصياتها النهائية. غير أن لوموند تطرح مع ذلك سؤالين عن مشروعية صدور قانون محتمل بهذا الشأن، أولا: بأية صفة ولأي مبرر يمكن إصدار قانون يمنع على نساء راشدات ارتداء نوع معين من الأزياء، أو إلزامهن بارتداء نوع آخر، اللهم إلا إذا كان المشرِّعون الفرنسيون، سيتحولون، بقدرة قادر، إلى مجلس علماء في الشريعة الإسلامية، بحيث يقولون للنساء المسلمات إن هذا الزي يناسبكن وذلك لا يناسب؟ ومفهوم أن الوضع مختلف الآن عن قانون منع الحجاب في المدارس، لأن الأمر اليوم يتعلق بنساء راشدات، ولا صلة له بغايات تربوية مدرسية زعم أنها كانت وراء حظر الحجاب في المدارس. ثانياً: لو صدر قانون منع ارتداء النقاب في الفضاء العام، فمن يا ترى سيسهر على تطبيقه، وبأية كيفية، اللهم إلا أن تظهر شرطة سلوك تتسكع في الشوارع لمضايقة عابرات السبيل، من النساء المسلمات تحديداً؟ وتنتهي الصحيفة إلى أن سيادة إسلام معتدل ومستنير مطلب قائم في صفوف جالية فرنسا المسلمة، ولكن تحقيق ذلك يتم بالإقناع وليس بالجبر ولغة الفرض والمنع. وفي صحيفة لوفيغارو كتب أيضاً إيفان ريوفول افتتاحية حول ذات الموضوع ثمن فيها خطاب ساركوزي، راداً على التحفظات الصادرة عن "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية"، وهو أعلى هيئة رسمية ممثلة لمسلمي فرنسا، حول تشكيل لجنة تفكير في موضوع البرقع، معتبراً أن المسألة متعلقة بسيادة العلمانية والقيم الجمهورية في المجال العام، وأن نموذج الاندماج الفرنسي لا ينبغي أن يكون موضع نقاش. بل إن الكاتب مضى إلى ما هو أبعد من قضية البرقع تحديداً، حيث أثار مسألة المد الإسلامي في فرنسا، محذراً من مخاطر تناميه خاصة في الضواحي، التي وصفها بأنها أراضٍ سقطت بالفعل. كما كتب إيف تريار في ذات الصحيفة مقال رأي آخر تهجم فيه على كل المدافعين عن البرقع في فرنسا، متهماً إياهم بالتناقض وبالوقوع في فخ الإسلاميين المتشددين. تجاذبات إيران... وخيارات أوباما: اعتبر الكاتب بيير روسلين في افتتاحية بصحيفة لوفيغارو أن الرئيس الأميركي قد اختار الرهان الصحيح بعدم المضي بعيداً في التدخل فيما يجري في إيران، ليس فقط لأن أوباما في غنى عن صب الزيت على النار هناك، بل أيضاً لأن هذا هو الموقف السياسي الذكي الذي يتعين على أميركا اتباعه في الظرف الراهن. فلو مضى سيد البيت الأبيض شوطاً أبعد في التعبير عن تأييده للقوى المحتجة في إيران الآن فسيصب ذلك في صالح أكثر القوى تشدداً، وسيمكنها من إيجاد طريقة للتعبئة الداخلية ضد تدخلات "الشيطان الأكبر". ومع هذا فقد صدرت عن أوباما تصريحات لا يخطئ من يريد الإمساك باتجاهها القصد. وأما بالنسبة للاحتجاجات نفسها ومجراها الممكن فيرى الكاتب أن الإيرانيين أنفسهم يفهمون اليوم أن التجاذب قد يأخذ وقتاً طويلا، وفي الأذهان طول الاحتجاجات التي استغرقت سنة كاملة قبل نهاية نظام الشاه. وفي ذات الاتجاه والاستحضار التاريخي كتب رئيس تحرير مجلة لونوفل أوبسرفاتور جان دانيل افتتاحية بعنوان: "رسالة إلى شاب إيراني"، قارن فيها بين حالتي الاحتقان، مسجلا ما اعتبره أزمة ثقة سياسية، توجت، في النهاية، بظهور موسوي باعتباره أحد الرموز المؤسسة لنظام الثورة، وحامل مشروع التغيير الممكن. واعتبر دانيل أن مؤدى التجاذب الحالي لا يعرف حتى الإيرانيون أنفسهم ما يمكن أن ينتهي إليه. فجميع الثورات والتحولات الكبرى تبدأ عادة مستحيلة في البداية. على أن ثمة بعداً خارجياً للتجاذب الإيراني يستحق التوقف عنده مع إهمال معظم المحللين له، في نظر الكاتب، ألا وهو الأثر الذي خلفه خطاب أوباما في القاهرة على سقف وتطلعات التغيير لدى الشارع الإيراني. وأخيراً ركز تحليل كتبه "إيف مامو" في لوموند على رصد آليات الإعلام الجديد، وفاعليتها في التعبئة الشعبية خلال الأزمة الإيرانية الراهنة. ويسقط المقال على جموع المحتجين الإيرانيين صفة "الحشود الذكية" التي أطلقها هوارد رينجولد، الأستاذ في جامعة ستانفورد، في كتاب له صدر قبل سنوات، لتوصيف خصوصية هذا النوع من الجماهير، أي ذلك الحشد القادر على توظيف آخر تقنيات التواصل والإعلام الجديد، مثل "اليوتوب" و"الفيس بوك" وتقنية "التويتر" للتراسل السريع لإيصال رسالته التعبوية، بعيداً عن مقصات الرقابة وغرابيل النظم السياسية. دولة نتانياهو الفلسطينية غير المحتملة: تحت هذا العنوان حلل الكاتب ميشل بول- ريشار أبعاد "العرض" الذي قدمه نتانياهو في خطابه حول تصوره لتسوية صراع الشرق الأوسط، والذي تردد أنه قبل فيه بقيام دولة فلسطينية. ويرى ريشار أن خطاب نتانياهو لم يكن أكثر من مناورة، وقد كشف ذلك تصريح وزير خارجيته المتطرف ليبرمان بعد لقائه بأمين عام الأمم المتحدة "بان كي مون" الذي قال فيه إن "الاستيطان ليس مشكلة" في طريق عملية السلام! وأكثر من ذلك أرفق نتانياهو حديثه اللفظي عن إمكانية قيام دولة فلسطينية ببطارية كاملة من الشروط التعجيزية. ويرى الكاتب أن من حق الفلسطينيين ألا يشعروا بأدنى رغبة أو شهية للتعاطي مع عرض نتانياهو، وخاصة أن تجاربهم السابقة تثبت عدم جدية الطرف الإسرائيلي في الالتزام ما يتعهد به. خاصة أن نتانياهو يريد ذر الرماد في العيون، لا غير، بحديثه الشكلي عن دولة فلسطينية. ولكن أية دولة فلسطينية؟ يقول الكاتب، ستكون منزوعة السلاح، ولا سيادة لها على أراضيها، ولا على مجالها الجوي، ومحرومة من مواردها، ومحظور عليها عقد تحالفات. وليس هذا كل شيء، فضفة نهر الأردن يجب أن تكون تحت السيطرة الإسرائيلية. كما تحتفظ قوات الأمن الإسرائيلية بـ"حق" التدخل والتوغل داخل "الدولة" السراب المقترحة، التي لن تملك شيئاً من مقومات الدول الطبيعية سوى علم ونشيد وطني. إنه نظام وصاية إسرائيلي مقترح. وكأن كل هذه الشروط التعجيزية لا تكفي، أضاف نتانياهو أيضاً حزمة شروط أخرى أخطرها صدور قرار فلسطيني بيهودية الدولة الإسرائيلية، بما يسمح بطرد عرب إسرائيل، زيادة على طي ملفات مثل حق العودة والتعويض للاجئين، واقتسام مدينة القدس، وعدم الحديث عن توسع حركة الاستيطان، الموصوف بـ"النمو الطبيعي". ويؤيد الكاتب قول من يرى أن "خريطة الاستيطان تكذب خريطة السلام" في الخطاب الإسرائيلي، مبرزاً في هذا المعنى رأي الكاتب الإسرائيلي الشهير ديفيد جروسمان، الذي قال إنه لا أمل أبداً في اجتراح عملية سلام إذا لم يتم فرض التسوية، بطريقة ما، على إسرائيل. إعداد: حسن ولد المختار