على رغم أن السياسة الأميركية في العراق تواجه أزمة، إلا أن قادة التيار السياسي الرئيسي في الولايات المتحدة وعلى رأسهم الرئيس بوش، والسيناتور جون كيري مازالوا يصرون على رأيهم القائل إن القوات الأميركية في العراق "يجب أن تواصل مهمتها ... وإن الفشل هناك ليس احتمالا وارداً". إن الشعارات وحدها لا تكفي لإنقاذ سياسة فاشلة، ويجب أن نعرف أن نجاح مهمتنا في العراق كان مرهونا منذ البداية بإدراك الشعب العراقي للفرضية التي تقول إن وجودنا هناك ضروري لتأمين مستقبله، وإن هذه الفرضية قد أصبحت موضعاً لشك متزايد الآن.
إذا لم نسترد ثقة الشعب العراقي في دورنا، فإن فشلنا هناك لن يكون خيارا فقط ولكنه سيكون احتمالا واردا أيضا. ومن الأشياء التي تعد ضرورية وحاسمة لتحقيق هدفنا في العراق، أن نقوم بإصدار قرار بإنهاء الانتشار العسكري الحالي بنهاية العام القادم وذلك عقب قيام العراقيين بتبني الدستور، وتزويد قواتهم الأمنية بجرعة مكثفة من التدريب. بدون ذلك فإن الاحتمال الأكبر هو أن يتحول السؤال المطروح من: كم من الوقت نريد أن نبقى؟، ليصبح: متى سيقوم العراقيون بركلنا إلى الخارج؟.
منذ البداية قامت استراتيجية إدارة بوش على أساس أن الولايات المتحدة سوف يتم الترحيب بها من قبل غالبية قطاعات الشعب العراقي باعتبارها دولة محررة. لكن فشل سلطة الائتلاف المؤقتة في توفير خدمات الأمن الأساسية للكثيرين، والإيقاع البطيء الذي تمضي به عملية إعادة الإعمار، أديا إلى تآكل التأييد الذي يقدمه العراقيون لوجودنا. ثم جاءت الوقائع الشنيعة التي تم ارتكابها في سجن أبو غريب والتصعيد الأخير في وتيرة القتال، كي تحدث مزيدا من التقويض لوضعنا هناك. وهذا التقلص الهائل في مقدار الدعم الممنوح لنا في العراق يقوض شرعية وجودنا واستمراره، كما يجعل من مهمتنا الخاصة بتحقيق الاستقرار هناك مهمة شبه مستحيلة.
وما فاقم حجم المشكلة، ذلك الموقف المتناقض الذي اتخذناه بصدد عملية نقل السلطة في العراق. فعلى رغم أننا قد قمنا منذ البداية بتعريف مهمتنا بأنها مهمة "تحرير". إلا أننا رفضنا رفضاً باتاً بعد ذلك الاعتراف بقدرة العراقيين على اختيار طريقهم بأنفسهم. فمنذ القرار الخاص بتنصيب مجلس حكم مؤقت، مروراً بامتناعنا عن تأييد إجراء انتخابات مبكرة بصدد السلطة المحدودة التي نخطط لمنحها للحكومة الانتقالية بعد الثلاثين من يونيو، فإن الرسالة التي وجهناها للعراقيين كانت هي أننا لن نسمح بحق تقرير المصير في العراق قبل أن يقوم العراقيون باختيار حكومة تتوافق مع هدفنا وهو: إقامة ديمقراطية على الطراز الغربي، تكون مؤيدة إلى حد كبير للمصالح الأميركية في المنطقة.
يجب علينا كذلك أن نعرف أنه كلما أفرطنا في الحديث عن البقاء في العراق للمدة التي يقتضيها استكمال المهمة، كلما بدونا وكأننا نحاول فرض رؤيتنا، مما يساهم في المزيد من الإقصاء للشعب العراقي. والخطر هنا لا يتمثل في قيامنا بالهرب قبل أن نستكمل مهمتنا، ولكنه يتمثل في إصرار العراقيين على خروجنا.. وهو الأمر الذي لو حدث فإنه سيؤدي إلى ترك فراغ أمني يمكن أن يشعل نيران حرب أهلية، بل وصراعاً إقليمياً أوسع نطاقا.
من هنا يغدو منطقيا أن نسأل: كيف يمكننا أن نتفادى وقوع مثل هذه الكارثة؟. أولا، يجب أن نوضح بشكل جلي أن الغرض من بقائنا في العراق هو إتاحة الفرصة للعراقيين لاختيار مستقبلهم بحرية، حتى لو لم يكن هذا الاختيار على هوانا تماماً. يجب علينا أن نوضح ليس فقط أننا سنرحل إذا ما طلب منا ذلك، ولكن أيضا أننا سنقوم بأنفسنا بالتخطيط لإنهاء انتشار قوات الائتلاف في أعقاب انتخاب حكومة عراقية، وتبني دستور جديد للبلاد العام القادم.
ثانيا، يجب أن نكون واضحين بشأن مصالحنا الأمنية المشروعة في العراق، وأن نقوم بإفهام الجميع أن لدينا الحق في الإصرار على ألا تشكل الحكومة العراقية الجديدة تهديدا للسلام والأمن من خلال قيامها مثلا بتطوير أسلحة للدمار الشامل، أو إيواء الإرهابيين، أو مهاجمة الدول الأخرى. يجب علينا أيضا أن نسعى لاستغلال نفوذنا للتشجيع على إقامة مجتمع متسامح ومتعدد. ولكن نظرا لأن ذلك مسؤولية يدين بها العراقيون للجميع، وليس لنا فقط، فإننا يجب أن نقوم بتحويل الاهتمام بعيدا على الولايات المتحدة باعتبارها الأداة التنفيذية للمجتمع الدولي، إلى جيران العراق وغيرهم من الذين يشاركوننا في هذه المصالح، بما في ذلك الناتو والولايات المتحدة. كما يجب علينا كذلك أن نقوم بدعوة وكالة الطاقة الذرية الدولية كي تقوم بدور في ضمان أن الحكومة العراقية الجديدة لن تقوم باستئناف برامج إنتاج الأسلحة النووية.
ثالثا، يجب أن نقوم بتسريع عملية تدريب قوات الأمن العراقية الجديدة وتزويدها بالمعدات، وخصوصا أنه لم يتم حتى تاريخه سوى تدريب عشرة في المئة فقط من الأعداد الضرورية من الجنود وقوات الشرطة بالشكل المطلوب. إن ملء الفراغ الأمني يعد أمرا حيويا لنجاح هذه الاستراتيجية، لأن احتمال نجاح قوات الأمن المكونة م