على امتداد سنوات عديدة، سوَّق العاملون في بنوك سويسرا أنفسهم على أنهم \\\"ثقوب سوداء\\\"، لإخفاء معلومات أغنى أغنياء أميركا. ويهمس مصرفيو سويسرا عادة في أذن الواحد من هؤلاء قائلين: أودع أموالك في أحد بنوكنا وستكون في مأمن من أيادي جباة الضرائب الحكوميين في بلادك.. بل إننا نخفيها أيضاً عن عيون شريكة الحياة الطامعة، وعن شهوات الزوجات السابقات للمال والثراء، وعن كل فضولي آخر يحاول التلصص على تفاصيل رصيدك، أياً كان. وليس بالضرورة أن تحقق البنوك السويسرية عائدات استثمارية أفضل لعملائها من بقية بنوك العالم الأخرى، غير أنها توفر لهم ميزة تنافسية لا مثيل لها على الإطلاق: احتمال التلاعب السري بالأرصدة والحسابات! وعلى أية حال، فقد أعلن يوم الأربعاء الماضي عن التوصل إلى تسوية بين بنك سويسري حكومي، للقضية التي رفعتها ضده \\\"خدمة العائدات الداخلية\\\" الأميركية، يتم بموجبها الكشف عن أسماء الآلاف من الأميركيين المتهربين من دفع الضرائب من خلال فتح حسابات سرية لهم في البنك السويسري المذكور. وإلى أن يعلن عن تفاصيل هذه التسوية، يظل مجهولاً بالنسبة لنا ما إذا كان قد تم اختراق سرية بنك سويسري، أم لا. وعن طريق تسويق سرية البنوك، تحولت سويسرا من دولة زراعية فقيرة طوال القرن التاسع عشر، إلى قلعة مالية حصينة فاحشة الثراء بحلول القرن الحادي والعشرين. غير أن العالم دفع ولا يزال يدفع ثمناً باهظاً لذلك النجاح المالي السويسري. ولتبين حجم هذه الخسائر إليكم ما يلي: لماذا تعجز حكومات الكثير من الدول -بما في ذلك الحكومة الأميركية- عن تحصيل الضرائب المستحقة، بل كيف يستطيع الإرهابيون تحويل أموالهم عبر العالم كله بمنتهى السهولة والأمان؟ الإجابة عن جميع هذه الأسئلة هي: بعض المصارف السويسرية والفروع التابعة لها في ليخنشتاين وغيرها من الثقوب المصرفية السوداء التي ترفض الكشف عن الحسابات السرية المفتوحة لديها للمحققين الحكوميين. وهذا، بالمختصر المفيد، هو ما ترفض سويسرا الاعتراف به بالطبع. ويقول مسؤولو بعض البنوك هناك إنهم على أتم الاستعداد للكشف عن معلومات أي حسابات لديهم للجهات الحكومية الأجنبية المسؤولة عن تنفيذ القانون متى ما توافرت للبنوك الأدلة على خطأ عميل ما من عملائها أو تورطه في جريمة يعاقب عليها القانون. وهنا يكمن الفخ السري السويسري، كما نعلم. فمن دون الحصول على المعلومات الخاصة بتلك الحسابات السرية، يستحيل الكشف أصلاً عما إذا كان العميل المعين قد ارتكب خطأً أم لا. ولهذا السبب، طالب الكونجرس مؤخراً البنوك وبيوت الوساطة الأميركية بإبلاغ \\\"خدمة العائدات الداخلية\\\" عن أرصدتها وودائعها المالية. فمن دون تطبيق نظام رقابي كهذا، سيستمر دافعو الضرائب في عدم تبليغ السلطات الحكومية عن أرصدتهم. وحتى بعد إلقاء \\\"خدمة العائدات الداخلية\\\" الأميركية القبض على بنك سويسري وهو متلبس بجرم تسويق حسابات سويسرية سرية للمئات من المتهربين الضريبيين الأميركيين، رفض البنك الكشف عن أسماء 52 ألفاً من الأميركيين الذين أودعوا أموالهم عنده، كي تتمكن \\\"خدمة العائدات الداخلية\\\" من التحقق مما إذا كان هؤلاء يبلغونها عن عائداتهم وأرصدتهم أم لا؟ ومن ناحيتها، ساندت الحكومة السويسرية موقف بنكها. ففي محكمة \\\"ميامي\\\"، حيث تم النظر في القضية الأميركية المرفوعة ضد البنك السويسري المذكور، قال ممثل للحكومة السويسرية لقاضي المحكمة الفيدرالية إن حكومة بلاده ستضع يدها على تلك المعلومات بدلاً من السماح للبنك بالخضوع للشروط التي تفرضها \\\"خدمة العائدات الداخلية\\\" الأميركية. وهكذا كشفت دراما محكمة \\\"ميامي\\\" عن أمر شديد الوضوح: ليس في وسع البنوك السويسرية الانفراد بتصميم سريتها وحدها، دون التعاون مع الحكومة. وفيما يبدو، فإن هذا جهد منسق قصد منه سد الطريق أمام المساعي التي تبذلها حكومات الدول الأخرى من أجل الحصول على المعلومات اللازمة لها لإنفاذ قوانينها على المخالفين والمنتهكين. بيرن نيوبورن ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أستاذ القانون بجامعة نيويورك ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة \\\"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\\\"