تعتبر الوفيات بين الأطفال دون سن الخامسة من أكبر مشاكل الصحة العامة على الإطلاق، حيث يلقى 25 ألف طفل دون عمر الخامسة حتفهم مع نهاية كل يوم، وهو ما يترجم إلى أكثر من تسعة ملايين وفاة سنوياً. وعلى رغم أن هذا العدد قد شهد انخفاضاً ملحوظاً خلال العقدين الماضيين، من 12.7 مليون عام 1990 إلى 9.2 مليون عام 2007، إلا أن عدد الوفيات مازال هائلاً بكل المقاييس. وتتوزع هذه الوفيات على عدد محدود من الدول إلى حد ما، حيث يقع 94 في المئة منها في ستين دولة فقط، معظمها دول أفريقية. ومما يزيد الموقف مأساوية، وحسب تقدير منظمة "اليونيسف"، حقيقة أنه من الممكن منع مليون وفاة سنوياً، إذا ما توافر مليار دولار فقط. أي أنه من الممكن إنقاذ حياة الملايين من هؤلاء الأطفال، إذا ما أنفق ألف دولار فقط على رعاية وعلاج كل واحد منهم، وهي الحقيقة التي جعلت من خفض الوفيات بين الأطفال دون سن الخامسة الهدف الرابع على أهداف الأمم المتحدة للتنمية في الألفية الثالثة (United Nations' Millennium Development Goals). وبين قائمة الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى الوفيات بين الأطفال، والتي تشمل أمراض الإسهال، والحصبة، والملاريا، وسوء التغذية، تكتسي عدوى الجهاز التنفسي -وبالتحديد الالتهاب الرئوي- خطورة خاصة. وهو الواقع الذي يتأكد من خلال الحقائق التالية: 1) أن الالتهاب الرئوي الحاد هو السبب الأول للوفيات بين الأطفال على مستوى العالم بدون منازع، حيث يتسبب وحده في 20 في المئة من جميع الوفيات بين أفراد هذه الفئة العمرية. 2) يقتل الالتهاب الرئوي 1.8 مليون طفل كل عام، وهو عدد أكبر من إجمالي من يلقون حتفهم من الأطفال بسبب أمراض الإيدز، والملاريا، والحصبة. وكما يدل اسمه، يصيب الالتهاب الرئوي الحاد (Pneumonia) أنسجة الرئتين المسؤولة عن التنفس، أو الحويصلات الهوائية، فتمتلئ بالصديد وبالسوائل، مما يعيق عملية التنفس، ويمنع مد أنسجة الجسم بالأكسجين، وتخليصه من ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يشكل نوعاً من الاختناق الداخلي. وتوجد أسباب عديدة للإصابة بالالتهاب الرئوي، وإن كان النوع المقصود في هذا المقال هو النوع الناتج عن حدوث عدوى بميكروب، مثل البكتيريا، أو الفيروسات، أو الفطريات، وإن كانت هناك أنواع محددة من البكتيريا تستحوذ على بنصيب الأسد من الإصابات والوفيات، مثل: (Streptococcus pneumonia) و(Haemophilus influenzae type b). ومثلها مثل العديد من الأمراض المعدية الأخرى، تحدث العدوى بالالتهاب الرئوي من خلال طرق متنوعة ومختلفة. فعلى سبيل المثال، يمكن للفيروسات والبكتيريا التي توجد بشكل شائع في أنف أو حلق الطفل، أن تنتقل إلى الرئتين مسببة عدواهما والتهابهما. وتنتقل الميكروبات المسببة لالتهاب الرئتين أيضاً عن طريق الهواء المحمل بالجراثيم، من كحة أو عطاس شخص مريض. وأحياناً ما تنتقل هذه الميكروبات عن طريق الدم، خصوصاً أثناء الولادة أو خلال الفترة التالية لها مباشرة. والغريب أنه على رغم انتشار حالات الالتهاب الرئوي الجرثومي بشكل كبير بين الأطفال، حيث تقع حوالي 155 مليون إصابة سنوياً، إلا أنه مازال من الأمراض التي تحتاج للمزيد من البحث والدراسة، حول أنواع الميكروبات التي تسببه، وطرق انتقالها، لما لزيادة المعروفة في هذا المجال من نتائج مهمة على صعيد جهود الوقاية والعلاج. وبغض النظر عن نوع الميكروب المسبب للمرض غالباً ما تتضمن الأعراض سرعة وصعوبة في التنفس، مصحوبة بكحة وسعال، وارتفاع في درجة الحرارة مع رعشة، ولدى الأطفال الرضع يمكن أن يمتنع الطفل عن الأكل أو الشرب، ويصاب بتشنجات وبرودة شديدة في الجسم، مع فقدان للوعي في النهاية. وعلى رغم أنه يمكن للعلاج، إذا ما تم بسرعة وطريقة سليمة، أن ينقذ حياة 600 ألف طفل يلقون حتفهم سنوياً من الالتهاب الرئوي، إلا أن سبل الوقاية يمكنها أن تنقذ حياة مليون طفل سنوياً، من خلال منع حدوث العدوى من الأساس؛ ولذا تعتبر الوقاية أهم المكونات الرئيسية في أية استراتيجية صحية، تسعى لخفض وفيات الأطفال من الالتهاب الرئوي، خصوصاً في ضوء حقيقة أن جزءاً بسيطاً ممن يصابون بالمرض بين الأطفال، هم من تتوافر لهم من الأساس العقاقير الطبية والأدوية اللازمة. ويعود السبب في هذا إلى حد كبير إلى التكلفة المالية المصاحبة للعلاج، والتي تقدرها منظمة الصحة العالمية بأكثر من 600 مليون دولار سنوياً، فقط في أفقر 42 دولة في العالم. وبين سبل الوقاية المختلفة، تحتل التطعيمات مكانة خاصة، خصوصاً التطعيمات ضد الحصبة، والسعال الديكي، وبعض أنواع البكتيريا الأخرى مثل (Hib) أو (pneumococcus). وإن كان ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار عوامل الخطر الأخرى المعروف عنها تسببها في الإصابة بالالتهاب الرئوي المعدي، أو على الأقل التي تجعل من الإصابة خطراً داهماً على الطفل، مثل الأمراض الأخرى التي تضعف من جهاز المناعة، مثل الإيدز وسوء التغذية المزمن، أو التي تخفض من حيوية ونشاط أنسجة الرئتين، مثل تلوث الهواء، أو تدخين الآباء على مقربة من أطفالهم. د. أكمل عبد الحكيم