وسط زخم الاستياء العالمي الإعلامي والسياسي مما قامت به القوات الأميركية في سجن أبو غريب، والمعاملة المهينة للأسرى والمعتقلين العراقيين، وحالات اغتصاب سجينات عراقيات، يطل علينا مسلسل الزرقاوي "الذبح على الطريقة التلفزيونية!!"، ليتحول الوضع وينقلب الحال تماماً وتنعكس الصورة الإعلامية بأكملها، من فضائح أميركية ضد حقوق الإنسان في العراق إلى قيام مجموعة متطرفة بذبح مهندس مدني أميركي بدعوى الانتقام لكرامة سجناء أبو غريب، ليذكّر العالم مرة أخرى بهمجية تصرفات فئة متطرفة ولتلصق التهمة بالإسلام تكريساً لما دأبت عليه وسائل الإعلام الأميركية منذ 11 سبتمبر، ويتناسى الجميع أحداث سجن أبو غريب في خضم التغطية الإعلامية العالمية لعملية ذبح الأميركي نيكولاس بيرغ على الهواء مباشرة، لنعلن صدمتنا ليس بسبب إجراءات الذبح فقط ولكن بسبب التوقيت أيضاً، ونعود إلى طرح تساؤلات مثيرة للفكر والعقل والعاطفة والعقيدة والدين، فرضها التحول المفاجئ في الصورة الإعلامية نتيجة لما قامت به مجموعة الزرقاوي الإرهابية، لماذا قامت هذه المجموعة الإرهابية بهذه العملية في هذا التوقيت بالذات؟ وهل هناك علاقة بين هذه المجموعة الإرهابية والمخابرات المركزية الأميركية أو القوات الأميركية للتغطية على أحداث سجن أبو غريب؟ وما هي حقيقة الدور الذي تلعبه هذه المجموعة الإرهابية داخل العراق؟ وما هي أهدافها الحقيقية ولصالح من تعمل؟ وما هو موقف الإسلام مما قامت به هذه المجموعة الإرهابية؟ وهل يقبل أي دين أو خلق أو عرف أن يحدث ذلك لأسرى حرب عسكريين أو مدنيين؟ وما هي تداعيات هذا العمل على القضايا العربية والإسلامية؟
من الواضح أن الصورة المرئية التي عرضتها الفضائيات العربية والعالمية لعملية ذبح الأميركي تحمل الكثير من المعاني وفق توقيت العرض، فأولاً كانت بمثابة "تعمية إعلامية" كافية لتغطية كل الجرائم التي قامت بها قوات الاحتلال الأميركية ضد العراقيين في سجن أبو غريب، وثانياً أوضحت من دون شك مدى الهمجية التي تتميز بها هذه الجماعات الإرهابية وعدم توافر أي هدف أخلاقي وراء عملياتها، وثالثاً أساءت بصورة غير مباشرة للإسلام والمسلمين وأعادت للأذهان أحداث 11 سبتمبر، وعدم توع المتطرفين الإسلاميين عن القيام بأي شيء لإقصاء واستئصال كل من يخالفهم الرأي من دون أدنى اعتبار، ورابعاً سمح الحدث للولايات المتحدة بالتوقف عن نشر مزيد من الصور التي تفضح الممارسات الأميركية في العراق، وخامساً منحت أجهزة الإعلام الأميركية الفرصة لتعود إلى سابق عهدها لتدافع عن عنف القوات الأميركية في العراق، بل إن الرئيس الأميركي نفسه تحدث عن مبررات مثل الطقس وظروف القتال والضغط الذي يتعرض له الجنود الأميركيون جراء العمليات الإرهابية مما جعلهم غير قادرين على التفرقة بين العدو والصديق!!
لقد فشل الإرهاب مرة أخرى في إقناع العالم بعدالة أي قضية يدافع عنها، بل أضحى النظر إلى المقاومة العراقية للاحتلال على أنها عمليات إرهابية يقوم بها أذناب النظام السابق من جانب، وتنظيم القاعدة ومجموعة الزرقاوي من جانب آخر.
لقد جاء الحدث في توقيت تصاعدت معه حدة الحملة الإعلامية والرسمية على مستوى العالم عامة وداخل الولايات المتحدة على وجه الخصوص نتيجة للمهانة التي تعرض لها السجناء العراقيون في سجن أبو غريب، التي وصلت إلى حد استجواب الكونجرس لرئيس اللجنة الأميركية المسؤولة عن التحقيق في الموضوع، ومطالبة وزير الدفاع الأميركي الغبي رامسفيلد بالاستقالة، في ظل تنامي التعاطف الدولي مع الوضع الإنساني المتدهور في العراق. ولكن سرعان ما تغير الوضع وأصبح المتهم ضحية، والضحية جلاداً مفترياً يذبح علناً الأبرياء من الأميركيين الذين جاءوا العراق لإعماره فكان جزاؤهم الذبح. وفي تقديري أن هذا العرض التلفزيوني الذي يدخل في إطار موجة "تلفزيون الواقع" تمثيلية من إخراج المخابرات المركزية جرى الاتفاق عليها بصورة غير مباشرة مع أبو مصعب الزرقاوي ومجموعته للتغطية على مأزق أميركا في أبو غريب، وجرائم الحرب التي ارتكبتها القوات الأميركية هناك، وليس مهماً أن يكون الضحية أميركياً يهودياً أو من أي جنسية أخرى، فالمهم هو الصورة التلفزيونية المطلوبة والرسالة الإعلامية المراد إيصالها، والتأثير المطلوب إحداثه.
ووفق المعلومات التي توافرت حول الشخص الأميركي المذبوح، فإنه لا يحمل أي أوراق تثبت هويته وشخصيته، وأن الشرطة العراقية ألقت القبض عليه في 25 مارس لأنها "اعتبرت وضعه مشبوها وخافت على أمنه الشخصي"، ثم أفرجت عنه في 8 أبريل بطلب من وزارة الخارجية العراقية ونصحوه بمغادرة العراق فوراً، فكيف وقع في أيدي عصابة الزرقاوي، ولماذا جرى الاحتفاظ به حتى اللحظة الحاسمة ليتم "الذبح التلفزيوني" بكل ما يحمله من معانٍ؟
ثم نأتي إلى السؤال الأهم، ما هو موقف الإسلام والمسلمين مما حدث؟ من المؤكد أن الإسلام يرفض تماماً ما حدث، بل إن الرسول عليه الصلاة والسلام قد أمر بحسن معاملة الأسرى، ولا نن