استخدم الرئيس الأميركي جورج بوش الابن قانون الكونغرس الأميركي بعنوان "قانون محاسبة سوريا، واستعادة لبنان سيادته". ففرض مجموعة من العقوبات على سوريا، وقد كان ذلك منتظراً بعد أن أصدرت وزارة الخارجية الأميركية تقريرها وحسبت سوريا فيه من بين الدول الداعمة للإرهاب، وهكذا تسعى الإدارة الأميركية الحالية إلى أن تحمي احتلالها للعراق والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين بأية وسيلة.
ولقد كان من بين الوسائل حين اشتد الضغط على قوات الاحتلال الأميركية في الفلوجة العراقية أن حركت عناصرها الإرهابية لإحداث شغب في حي المزة بدمشق في أواخر الشهر الماضي كي تثني سوريا عن مواقفها وسياساتها تجاه القضيتين الفلسطينية والعراقية وبخاصة إذا ما اقترحت الأمم المتحدة تشكيل قوات ردع عربية تقوم مقام القوات الأميركية التي تتولى احتلال العراق، وإذا ما كان على مؤتمر القمة العربي أن يوافق على مثل هذا الاقتراح الذي إذا ما نفذ يجعل الاحتلال عربياً وليس أميركياً، وهذا أمر غير محتمل وغير وارد على الإطلاق.
من المنتظر أن تشتدّ وتتكاثر الضغوط والتهديدات الأميركية على سوريا، وأن تطلب الإدارة الأميركية الحالية من الاتحاد الأوروبي أن يطبق العقوبات نفسها أو ما يشبهها على سوريا بالرغم من أن هذه الإدارة تفعل فعلها السلبي فيما يتعلق بمشروع اتفاقية الشراكة السورية- الأوروبية. ومن المنتظر أن تدفع الإدارة الأميركية الحالية إسرائيل بعد صفقة المؤتمر الصحفي الذي أداره الرئيس الأميركي بوش الابن مع رئيس وزراء إسرائيل أرييل شارون يوم 14 أبريل الماضي، ذلك المؤتمر الذي لخصه بعض المعلقين العرب بأن تلك الصفقة كانت وعد بلفور الثاني، وإن كان من بين مضامينها غير المعلنة أن تغير إسرائيل على دمشق غارة شبيهة بتلك التي قامت بها إسرائيل على موقع "عين الصاحب" في الخامس من أكتوبر الماضي.
وإذا كان حدث 27/4/2004 يحمل عدة دلالات ورسائل منها أن هذا الحدث يأتي في خضم تطورات مهمة سواء في العراق أو في فلسطين فإن المطلوب من سوريا حسب التهديدات الأميركية والإسرائيلية أن تعيد النظر في شروطها لاستئناف المفاوضات لتحقيق التسوية الثنائية فلا تصرّ دمشق على الانسحاب الكامل وعلى استئناف التفاوض من حيث توقف.
ولهذا فقد وصف الرئيس اللبناني إميل لحود القرار الأميركي بأنه خاطئ في توقيته ومضمونه. فهو خاطئ في توقيته لكونه يشكل خطأً استراتيجياً للسياسة الخارجية لإدارة بوش الابن إذ يضيف أعباء جديدة على هذه السياسة في المستويين الإقليمي والدولي ويتناقض جذرياً مع ادعاءات هذه الإدارة بشأن سعيها إلى تحسين صورتها في العالمين العربي والإسلامي، ويساهم في ازدياد الكراهية للولايات المتحدة التي ضربت أرقاماً قياسية في تراجع شعبيتها، إضافة إلى أن هذا القرار يدفع بالأمور إلى مزيد من التوتر في المنطقة، إذ لابد من تقصي التأثيرات الإسرائيلية على القرار الأميركي.
والقرار خاطئ في مضمونه لأنه يفقد مسوغات اتخاذه ويستجيب بشكل غير مشكوك فيه للضغوط الصهيونية والإسرائيلية، تلك الضغوط التي يجسّدها في الإدارة الأميركية الحالية جناح صهيوني متشدّد لا يأخذ في الاعتبار سوى المصالح الانتخابية الصرفة وتلبية الأوامر الإسرائيلية. ومن دلائل ذلك الثناء الإسرائيلي السريع على القرار الأميركي الذي يلقي بظلاله على سياسات الإدارة الأميركية المعادية للعرب.
إن الرفضين العربي والدولي لهذا القرار الخاطئ هما دليلان على صوابية المواقف السورية وبخاصة حينما يتعلق الأمر بالضغوط والتهديدات الأميركية الإسرائيلية. وثمة يقين بأن القرار الأميركي ليس سوى تعبير عن عجز الإدارة الأميركية الحالية عن مواجهة الحرب العدوانية الإبادية التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني، وعن اتخاذ قرار في مجلس الأمن بجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة التدمير الشامل بسبب الفيتو الأميركي. كما أن هذا القرار يأتي هروباً مفضوحاً لبقاء قوات الاحتلال في العراق واستمرار ذلك الاحتلال دون السعي إلى تحقيق الأمن والاستقرار وإعادة السيادة للشعب العراقي. فالمطلوب من الأنظمة العربية، حسب المطالب الأميركية والإسرائيلية، أن تحقق الانسجام بين قراراتها وسياساتها وبين المصالح والمطالب الأميركية والإسرائيلية، وأهمها ابتلاع إسرائيل أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، وتقنين الاحتلال الأميركي للعراق.
لقد أحسن الرد السوري على هذا القرار بالإصرار على الحوار.