أخيراً عُقدت، قمة تونس، والحمد لله، بعد أن أصبح الانعقاد إنجازاً في حد ذاته، وقد عُقدت وسط أجواء دولية عاصفة تكالبت فيها على المنطقة تحديات لا أول لها ولا آخر ــ من النوع الذي يسمى عادة في أدبيات بيانات الجامعة البليغة بـعبارات مثل "الخطير" و"المصيري" ــ وفي مقدمتها التداعي الدولي على المنطقة العربية بأشكال عدة، منها الإلحاح الأميركي على ما يسمى بـ"الإصلاح"، ومنها المهرجان الدموي الشاروني الجوال في أكثر من مدينة ومخيم في غزة والضفة، ومنها أيضاً الاستجابة العربية التي تأخرت كثيراً لتحديات الملف العراقي، هذا إضافة، طبعاً، إلى تحدي إصلاح الجامعة العربية ذاتها وتفعيل آلياتها.
وكان من الملفت في قمة تونس انسحاب الزعيم الليبي معمر القذافي والمؤتمر الصحفي الصاخب الذي عقده، وقد شكل ذلك اختراقاً للاختراق الأصلي الذي تحقق بانعقاد القمة ذاتها، بعد طول تسويف ومخاض. كما لفتت الانتباه أيضاً حدة صوت الشكوى التي رفعها الأمين العام للجامعة العربية مما اعتبرها سهاماً ونقداً يستهدف "مؤسسته"، إلا أن الأمين العام وحّد بين شخصه ومؤسسة الجامعة العربية في رده على الانتقادات الموجهة إليه وهي كثيرة، والموجهة إلى أداء الجامعة والنظام الإقليمي العربي بصفة عامة.
كما كان ملفتاً أيضاً الخطاب السطحي العام الذي ساد البيان الختامي الذي تحدث عن كل شيء، تقريباً، ولكنه مع ذلك لم يقدم إجابات عربية محددة، ترتفع بالمواقف إلى مستوى ضغوط اللحظة وتحدياتها، في حين كان على العرب أن يتعلموا من الدرس الحكيم والرؤية المتبصرة النيرة التي مثلها موقف حكيم العرب صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله ورعاه" حين أمر سموه في توجيه كريم جمعية الهلال الأحمر الإماراتي ببناء أكثر من أربعمائة منزل لأهالي غزة ورفح، ضارباً سموه بذلك مثلاً للمواقف العملية الملموسة بلغة الواقع التي تدعم الأخ وترفع الضيم عن الشقيق، بدلاً من مجرد البيانات العائمة وعبارات الدعم العامة التي لا تعني شيئا محددا بذاته.
لم يعد للعجز العربي معنى لدى الأطراف الدولية سوى أن العرب لم يعودوا معنيين مثلاً بما يحدث للشعب الفلسطيني من مذابح وتدمير وتهجير. وغير معنيين بمواكب الموت والعنف التي يكتوي بنارها الشعب العراقي منذ أكثر من سنة. وغير معنيين بتطوير آليات نظامهم الإقليمي بحيث يصبحون طرفا ً إقليمياً فاعلاً ضمن الأسرة الدولية.
كنا نريد من القمة العربية أشياء ملموسة، لا أن تبيعنا كلاماً لا يقدِّم ولا يؤخر، نملك نحن منه الكثير. كنا نريد منها أن تُسمع العالم أجمع رسالة الشعوب العربية واضحة، فتقول للأميركيين بصوت عال: كفى عبثاً وانحيازاً لشارون وحكومته الإرهابية وإذا كنتم تريدون لهذه المنطقة من العالم الاستقرار والتنمية، فغيروا موقفكم ليصبح أكثر توازناً وأقل عدائية وتشجيعاً لإسرائيل على تخريب العملية السلمية. كفى عبثاً وتخبطاً في العراق، لقد مضيتم بعيداً في مراكمة أخطائكم وفي ضرب أخماس المستنقع العراقي في أسداسه، وإذا مضيتم أكثر في ممارساتكم هناك، فإن الشرر المتطاير سينال الجميع.