أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما قبل أيام عن تعزيز الحضور العسكري الأميركي في أفغانستان بنحو 30 ألف جندي إضافي. والآن، يتعين على أوباما أن يقنع الرأي العام في بلاده بجدوى هذه الزيادة، لاسيما في وقت يعبر فيه 48 في المئة من الأميركيين عن عدم رضاهم عن الطريقة التي يدير بها الحرب في أفغانستان مقابل 45 في المئة يؤيدونها. وأخذا في عين الاعتبار هذا التردد والممانعة الشعبية، حدد أوباما 2011 موعدا لبدء انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، أي قبل عام على انتخابات الرئاسة المقبلة. وهكذا، قرر أوباما، الذي كان من المنتقدين لسياسة زيادة عديد القوات التي أقرها سلفه جورج دبليو. بوش في العراق في 2007، أن يفعل الشيء نفسه في أفغانستان. والواقع أنه منذ البداية، كان أوباما يعتبر أن الحرب في أفغانستان حرب ضرورية خلافاً للحرب الاختيارية التي هي الحرب في العراق، وكان يعيب على بوش وقفه الجهود الأميركية في أفغانستان في الوقت الذي كان فيه بإمكان تلك الجهود أن تأتي أكلها وأن تتوج بنصر كامل في 2002 عندما أولى بوش الاهتمام للحرب في العراق وأهمل الساحة الأفغانية. زيادة عديد القوات الأميركية في أفغانستان التي قررها أوباما ترمي إلى الفوز في الحرب ضد "القاعدة" بشكل نهائي قبل العودة إلى وضع نهائي؛ ولكن الرأي العام الأميركي أخذ يطرح العديد من الأسئلة بشأن القوات المرابطة منذ أزيد من 8 سنوات في أفغانستان، من دون أن تحرز نتائج واضحة أو تقدماً ملموساً، وبشأن أعراض حرب فيتنام التي بدأت تلوح في الأفق مع خطر الرغبة في أفغنة المعارك من دون وجود رابط أو وسيط سياسي حقيقي وذي مصداقية. والواقع أن النجاح يتوقف إلى حد كبير على مصداقية القوات الأفغانية، وبالتالي على المؤسسات الأفغانية؛ والحال أن الرئيس كرزاي الذي أعيد انتخابه للتو لولاية ثانية لا يأخذ على محمل الجد من قبل أوباما الذي لا يتوانى عن انتقاد فساد إدارته وانعدام فعاليتها سراً. الهدف العسكري لزيادة عديد القوات الأميركية في أفغانستان اليوم هو تدمير تنظيم "القاعدة" (وهو الأمر الذي كان يتعين على جورج بوش أن يقوم به لو أنه خاض المعركة إلى نهايتها في 2002)، ولم يعد يتمثل في بناء مؤسسات وديمقراطية حية في أفغانستان. فالأمر يتعلق بكل بساطة بمساعدة الحكومة الأفغانية على تحسين أسلوب الحكم ومحاربة الفساد. بيد أن جزءاً كبيراً من الجواب يوجد في باكستان. فهل لعبت سلطات إسلام آباد اللعبة؟ وهل ستقوم فعلا بمحاربة "طالبان"، التي تجمعها بها شراكة فعلية من أجل التصدي للتأثير والنفوذ الهنديين؟ في هذه الأثناء، يشعر الأوروبيون بالانزعاج، ذلك أنه إذا أعلن حلف شمال الأطلسي رغبته أيضاً في تعزيز وجوده العسكري في أفغانستان، فإن البلدان المساهمة لن تتدافع لتلبي النداء، لأنها تتعرض لضغوط سياسية داخلية قوية حيث لا ترى الآراء العامة في بلدانها نتيجة ملموسة لانخراطها العسكري في المنطقة، وقد بدأت تضيق ذرعاً وتطرح الأسئلة. ومن جهة أخرى، فإن الموارد بدأت تشح؛ وإذا كان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يؤيد مقاربة باراك أوباما، فإنه من المستبعد جداً أن يرسل قوات إضافية إلى أفغانستان لاعتبارات تتعلق بالتمويل. وعلاوة على ذلك، فإن تعزيزاً للوجود العسكري الفرنسي من شأنه أن يثير نقاشاً هو في الوقت الراهن مقتصر على الرأي العام؛ على أن الأمر نفسه ينطبق، في الحقيقة، على كل شركاء "الناتو" الذين يشاركون في الحرب في أفغانستان. ولكن، هل ستستطيع القوات الأفغانية في النهاية أن تستلم المشعل من القوات الدولية وتنهض بالمسؤولية على النحو الذي يأمله الغرب؟ هذا هو رهان الرئيس الأميركي الذي سيؤثر على جزء من مصداقيته بخصوص هذه القضية، لاسيما أن الأمر يتعلق بـ30 مليار دولار إضافية سيتم انفاقها سنوياً من أجل حرب أفغانستان، مما يرفع حجم الإنفاق العسكري الأميركي في وقت بات يعتبر فيه المواطنون الأميركيون أنه من الضروري بشكل متزايد تركيز وتكثيف الجهود على القضايا الاجتماعية والداخلية. كما يطرح ذلك سؤالاً أساسياً مؤداه: إذا كان الجميع يتفق على أن جورج بوش قد أهدر فرصة القضاء على "القاعدة" في 2002، فهل مازال الوقت مواتياً للقيام بذلك من خلال إرسال تعزيزات عسكرية إلى أفغانستان؟ الحقيقة أن المتمردين الذين مازالوا يشكلون خطراً على الاستقرار الأفغاني، والذين تقدر أعدادهم ببضع مئات، موزعون ومتناثرون في باكستان كما في أفغانستان؛ غير أن تعزيز الوجود العسكري الغربي، الذي يُنظر إليه كقوة احتلال، من شأنه توحيد الأفغان حول "طالبان"، الذين خلقوا لأنفسهم سمعة كحركة تقاوم الاحتلال، مثلما من شأنه المساعدة على تحقيق انتصار القوات الأفغانية الموالية. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا هو: هل الجنود الأميركيون مستعدون للاختلاط مع السكان من أجل الفوز في معركة القلوب والعقول، أم أنهم سيستمرون في العيش منعزلين وفي القيام بمهامهم في الخارج على نحو يُنظر إليه على أنه شرس وعدواني من قبل السكان؟ ثم ألا يواجه وجود قوات غربية في بلد إسلامي، في الظروف الاستراتيجية الحالية، خطر أن يُنظر إليها كقوات احتلال ينبغي محاربتها، وليس كقوات تحرير يتعين دعمها؟