مشاعر الفرحة الجماعية التي سيطرت على شعب دولة الإمارات خلال احتفالات اليوم الوطني الثامن والثلاثين لا تقتصر على كونها مجرد تعبير شعوري أو عاطفي وإنما كشفت تلك المشاعر عن دلالات مهمة أكدت من خلالها نجاح المؤسسات الاتحادية والمحلية في "زرع" أهمية هذا اليوم لدى مواطني دولة الإمارات. لقد كانت الملاحظة الملفتة، للمراقب، في احتفالات هذه السنة أن هناك ارتفاعا في استخدام المفردات الوطنية والاتحادية والفخر بالإماراتية من خلال ترديد الأغاني الوطنية والنشيد الوطني وكذلك التفنن والإبداع في تزيين السيارات وابتكار أفكار جديدة في الملابس والمقتنيات المتعلقة بدولة الإمارات... وهي بالطبع مؤشرات مهمة في تأكيد تنامي مسألة الولاء والانتماء لهذه الأرض. الكل عبر عن حبه للإمارات وعن علم بلاده والكل ردد النشيد الوطني فكنت تمشي وتجد مظاهر الفرحة في كل شارع وعلى وجه كل فرد في الدولة أكان مواطنا أم وافدا، وهي دلالة تحمل العديد من المعاني الوطنية والسياسية بالغة الأهمية لدى المراقب لتلك الفعاليات، بل إن الاستعدادات التي سبقت اليوم الوطني لا زالت مظاهرها مستمرة إلى اليوم. إماراتيا، فإن الثاني من ديسمبر بات مناسبة ينتظرها الإماراتيون بشغف ويستعدوا لها ليعبروا عن حبهم لهذه الدولة. كما أن شمولية المشاعر الرائعة والتفاعل الرسمي -خاصة من جانب الشرطة- مع البهجة الشعبية، جديرة بأن تكون محل رصد ومتابعة من قبل دارسي علم الاجتماع، ليس من أجل تفسير ما يحدث، ولكن أيضاً من أجل تحليل ما يعني خروج هذا الشعب إلى الشوارع وترديد الأغاني الوطنية ولبس الأزياء الإماراتية وتزيين السيارات بطريقة استحقت من هيئة التراث والثقافة بأبوظبي بأن تخصص جائزة مالية قيّمة لأجمل سيارة تزينت خلال هذه المناسبة، وهي خطوة في اعتقادي، رغم بساطتها، ستساهم في ترسيخ هذا اليوم في أذهان هذا الشعب. حقيقة لم تعد مثل هذه المناسبات فقط مجرد مظاهر للبهجة أو أنها حالة من الفرح والتسلية بالنسبة لجيل أوجد لنفسه طريقته الخاصة للتعبير عن حبه بعيدا عن الطرق التقليدية المتعارف عليها بل إن مثل هذه المناسبات هي وسيلة جيدة لرمزية وطنية هائلة تعبر عن مكنونها من الولاء والانتماء لوطنه وعن مشاعر الحب للأرض والوطن وبالنسبة لدولة الإمارات. ما حدث في الإمارات خلال الأسبوع الماضي هو رسالة ولاء وانتماء من جيل معظمه لم يعش فترة بناء الاتحاد على أيدي الآباء المؤسسين وتأكيد بأن الجهود نجحت في نقل الرسالة الاتحادية بشكل صحيح إلى الجيل الحالي. ورغم أهمية المناسبة من الناحية العاطفية إلا أن القراءة السياسية لتلك المشاعر مؤشر مهم لفهم التعبيرات لشريحة معينة من المجتمع أصبحت اليوم هي الشريحة المؤثرة في المجتمعات. يمكن اعتبار مظاهر الفرحة أحد أساليب التعبير عن وعي سياسي للشعب الإماراتي للثاني من ديسمبر. وهو أمر يدعونا إلى أهمية استثمار مثل هذه الروح المعنوية في ترسيخ مفاهيم وقضايا وطنية أخرى مهمة والاستفادة من زخم هذه الروح الوطنية في مواجهة تحديات التنمية وإفرازاتها وأبرزها قضية "التركيبة السكانية" والهوية.