سوف يخطئ بعض منتقدي الخدمات الاستخباراتية الأميركية إذا ما نظروا إلى استقالة جورج تينيت من منصبة كمدير لـ"السي.آي.إيه" على أنها تمثل أول رد فعل على تشكيل لجنة التحقيق في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وأنها تمثل في ذات الوقت اعترافا بأن الوكالة قد فشلت في توقع صعود الإرهاب الإسلامي الراديكالي. وإذا ما قام هؤلاء المنتقدون بذلك، أي إذا ما نظروا إلى المسألة من هذه الزاوية، فإنهم سيكونون بذلك مثل من يقوم بترديد صدى ما ورد في التقرير الصادر عن هيئة اللجنة المذكورة في شهر إبريل الماضي، والذي أكد أن أجهزة الاستخبارات الأميركية قد فشلت في التعرف على (التأثير الكارثي) الذي كانت تمثله القاعدة، كما أنها لم تقم بالتفكير قبل الحادي عشر من سبتمبر بحجم هذا الخطر ومداه. وذهب معدو تقرير لجنة الاستخبارات إلى أنه كان بإمكان الوكالات الاستخبارية المختلفة تغيير مسار التاريخ، إذا ما كانت قد قدمت تقريرا استخباراتيا وطنيا، في صورة وثيقة معتمدة تشترك في تحضيرها كافة الأجهزة الاستخباراتية الفيدرالية، هدفها أن تقدم للرئيس وفريق الأمن القومي التابع له تقريرا شاملا حول تهديد محدد هو: شبكة أسامة بن لادن.
وهذه التأكيدات، والانتقادات المستمرة لجورج تينيت، تثير عدة أسئلة منها: ماذا يعني الإرهاب الكارثي؟. ما هو تنظيم القاعدة؟. ما هي الفكرة الثابتة عنه قبل الحادي عشر من سبتمبر؟.. وما هي الأهداف التي يمكن للتقديرات الاستخباراتية أن تحققها؟
أولا، إذا ما بدأنا من منتصف حقبة التسعينيات من القرن الماضي، سوف نجد أنه لم يكن هناك قصور في المناقشات العامة حول (الإرهاب الكارثي)، وإن كانت معظم تلك المناقشات تقريبا تدور حول الإرهاب الكيماوي والبيولوجي والنووي، وإلى حد ما الإرهاب الإليكتروني.
قبل الحادي عشر من سبتمبر بوقت قصير، كتبت كتابا قلت فيه إن الهجمات غير التقليدية هي الخطر الحقيقي والمتنامي الذي يتهددنا، وإن التركيز الهائل وغير المبرر على التهديدات غير التقليدية قد أنتج صورة مشوهة عن حقيقة التهديد الإرهابي الذي تواجهه البلاد. وكان هذا الخط من التفكير موجودا أيضا في تقرير الاستخبارات الوطني الذي قدمته أجهزة الاستخبارات المختلفة عام 1995 والذي جاء فيه أن هناك احتمالات متزايدة للجوء الإرهابيين إلى شن هجوم بالأسلحة التقليدية لأنهم أكثر إلماما بتلك الأسلحة من غيرها. وسلم التقرير جدلا بأن الهجوم بالقنابل الذي حدث على مركز التجارة العالمي عام 1993، والذي كان هدف الإرهابيين الذين قاموا بشنه هدم برجي المركز وقتل الآلاف يمثل تغييرا كبيرا في استراتيجية الإرهابيين. وأن الأمر المرجح هو أن يقوم هؤلاء الإرهابيون بشن هجمات في المستقبل على أهداف تمثل رموزا قومية مثل البيت الأبيض والكابيتول، ورموزا للرأسمالية الأميركية مثل شارع وول ستريت.
ما هو أكثر مدعاة للدهشة، أن ذلك التقرير قد أوضح بجلاء أن التهديد الإرهابي الخارجي الأكثر احتمالا، سيأتي من شبكة المجموعات الإسلامية التي تكونت خلال مرحلة الجهاد ضد الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، والتي يحمل أعضاؤها كراهية عميقة للولايات المتحدة.
في ذلك الوقت، كنت أشغل منصب كبير محللي الاستخبارات في مركز مكافحة الإرهاب بـ"السي. آي. إيه". وفي إطار متابعة تقرير الاستخبارات المشار إليه أعلاه، قمت أنا ونظيري في مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف. بي. آي) بالاجتماع مع كبار ممثلي صناعة الطيران لمناقشة الاستنتاجات التي توصل إليها التقرير. وكان الغرض من التلخيصات التي أعدتها إدارة الطيران الفيدرالية في ذلك الوقت هو إقناع الصناعة أن التهديد الإرهابي يتطلب تعزيز أمن الطيران المدني. ولسوء الحظ فإن صلاحياتنا في الإقناع لم تكن كافية للتغلب على مقاومة الصناعة لفكرة تنفيذ الإجراءات الأمنية الموصى بها، بحجة تكلفتها العالية. لذلك، فإنني أقول إن التلميح إلى أن وكالات الاستخبارات الأميركية في ذلك الوقت لم تكن تدري شيئا عن احتمالات وقوع هجوم كارثي، يعتبر تجاهلا للتاريخ.
أما الاتهام الذي وجهته هيئة لجنة التحقيق في أحداث الحادي عشر من سبتمبر بأنه كان هناك اهتمام ضئيل للغاية بالقاعدة، فهو اتهام أبسط ما يمكن أن نقول عنه إنه لا ينهض على حقائق. والدليل على ذلك أن معرفة أجهزة الاستخبارات المركزية الأميركية المبكرة بالتهديد الذي يمثله التنظيم قد انعكست، على سبيل المثال، في القيام في منتصف عقد التسعينيات من القرن الماضي، بإنشاء أول وحدة في الـ"سي. آي. إيه" يكون هدفها التركيز على شخص واحد هو: السيد أسامة بن لادن. كما أن الوكالة قد أوردت تقريرها بشأن الخطر الذي يمثله تنظيم القاعدة في أوراق عديدة، وفي تلخيصات تم تقديمها لصناع السياسة. كما أن السيد جورج تينيت نفسه قد صرح علنا وفي مناسبات كثيرة، بأن الوكالة قد حددت السيد ابن لادن والقاعدة باعتبارهما يمثلان العدو رقم واحد للولايات المتحدة الأميركية.
إن الدرس المهم الذي نتعلمه من حقبة التسعينيات ليس هو أن الوكالات الاست