شعر الكثير من الأميركيين، الذين يعتقدون أننا لم نرسل إلى العراق عدداً كافياً من القوات، بالسرور عندما أعلنت وزارة الدفاع الأميركية الشهر الماضي أنها سترسل 20 ألف جندي إضافي بغية إخماد التمرد والمساعدة على إعادة إعمار البلاد. ومن سوء الحظ أن عدداً قليلاً من أولئك أدرك أن الكثير من هؤلاء الجنود سيخدمون لفترة طويلة بعد أن تنتهي التزاماتهم التعاقدية بخصوص خدمتهم الفعلية في الجيش. وهؤلاء في الأساس لن يخدموا بلدهم على سبيل التطوع.
يسقط هؤلاء الجنود ضحايا لسياسة "تقليص الخسائر" التي يتبعها الجيش. وكضابط سابق قاد بعضاً منهم في المعارك، أجد أن معاملتهم على هذا النحو مخزية. فهذه السياسة، التي أُعلنت بعد فترة قصيرة من 11 سبتمبر وصادق عليها الرئيس بوش، تتيح للقادة إبقاء جنودهم في الخدمة إلى ما بعد الموعد المقرر لتركهم الخدمة وذلك إذا تقرر نشر وحداتهم في العراق أو أفغانستان. ويشير المسؤولون العسكريون إلى أن سياسة "تقليص الخسائر" تحول دون وقوع ما يشبه الانصراف الجماعي للجنود المقاتلين قبل بدء جولة جديدة. لكن هذه السياسة خاطئة؛ فهي تناقض مفهوم الجيش التطوعي الذي تم إنشاؤه في أعقاب حرب فيتنام. والكثير من الجنود، إن لم يكن معظمهم في هذه الموجة الأحدث من إرسال القوات إلى العراق، هم جنود سابقون كانوا في جولات عديدة في العراق وأفغانستان، وأكملوا على نحو مشرّف التزامات واجبهم في الخدمة الفعلية الميدانية.
ومن بين هؤلاء هناك كثير من رفاقي السابقين في اللواء الثاني التابع للفرقة الجبلية العاشرة المتمركزة في ثكنة فورت درام في نيويورك. وفي أعقاب هجمات 11 سبتمبر، قمت بقيادة فصيلة مشاة ذات تسليح خفيف إلى الكويت أولاً ثم في أعمال القتال في أفغانستان أثناء عملية "أناكوندا" عام 2002. وكان رجالي كلهم من المتطوعين في الجيش قبل 11 سبتمبر، وقد حققوا في الكويت وأفغانستان أداءً لا عيب فيه، ونالوا العديد من الإطراءات لقاء شجاعتهم في القتال. لكن هؤلاء الجنود، حتى بعد إرسالهم في انتشارَيْن إلى أفغانستان وعلى رغم اقتراب بعضهم من نهاية التزاماتهم التعاقدية، سيكونون ملزمين بالتوجه إلى العراق هذا الصيف والبقاء هناك لمدة سنة على الأقل. اتصل بي البعض منهم ليعبروا عن مشاعر الإحباط، حيث راودهم إحساس بنوع من العجز، وهم يعرفون أنهم ليس لهم رأي مؤثر في مستقبلهم حتى يطلق الجيش سراحهم.
وشعرت بالغضب عندما أخبرني عامل اللاسلكي الذي كان في السابق يخدم معي بأن الجيش ألغى الأوامر التي أصدرها إليه بالعودة إلى دياره في سان فرانسيسكو هذا الشهر حيث سيبدأ دراسته في الكلّية. وهناك جندي آخر كان من المقرر أن يغادر الخدمة بعد يومين من إصدار الأمر، لكن الجيش بدلاً من ذلك طلب منه سحب معداته والاستعداد لقضاء 12 شهراً آخر في الصحراء. وسببت هذه الأوامر إجهاداً نفسياً لهؤلاء الجنود، فتخيلوا كيف تكون مشاعر عائلاتهم. فهؤلاء يعيشون حياة تقاطعها متطلبات الوضع في العراق.
وأتساءل عمّا إذا كنت أنا سأتأثر لو أنني بقيت في فورت درام حتى نهاية فترة خدمتي. ويمكنني أن أتخيل مقدار الشعور بالغضب والتعرض للخيانة لو أنهم أبلغوني، بعد تأدية فترة التزامي والتخلي عن منحتي الدراسية، بأنني سأذهب إلى العراق لمدة عام وخلافاً لرغباتي.
بالطبع كنت سأفعل كل ما يطلبون مني. وبصفتي ضابطاً عاملاً، فإن تعهدي لبلدي بالخدمة- تحت القسم- ليس لالتزاماته نهاية أبداً. لكن فيما يتعلق بالجنود المتطوعين الرجال والنساء الذين وقعوا عقوداً مع الجيش تقضي بخدمتهم لفترة محددة مسبقاً، تكون سياسة تقليص الخسائر انتهاكاً فاضحاً للعقود. لقد كان مطلوباً من هؤلاء الجنود أن يضحوا بالكثير وقد فعلوا ذلك بفخر. وعلى رغم ذلك يواصل الجيش إبقاءهم في الخارج- لأنه يعلم أنه من خلال سياسة تقليص الخسائر يمكنه أن يفعل ذلك بشكل قانوني، كما يعلم أنه لن يلفت قدراً كبيراً من الانتباه كما يحدث في حالة إعادة إجراء سحب الجنود بالقرعة.
ولا يمتلك الجنود المتطوعون في الخدمة الفعلية حق الاحتجاج أو المجاهرة بمعارضة تلك السياسة. ولذلك ليس لعامل اللاسلكي الذي ذكرته آنفاً أي رأي ذا قيمة، بل هو مرغم على حزم أمتعته وهو صامت وتأجيل دراسته الجامعية. أما نحن الذين رأينا هؤلاء الجنود وهم يواجهون الموت، فإننا نتألم ونحن نشاهدهم الآن منطلقين من جديد إلى مهمة أخرى- بعدما كان ينبغي أن يتركوا الجيش.
ويواصل وزير الدفاع دونالد رامسفيلد زعمه بأن الجيش، بحسب بنائه الحالي، يمكنه أن يلبي متطلبات الحربين في العراق وأفغانستان. لكنه ببساطة على خطأ، وهذا ما توضحه ممارسات البنتاغون. فإضافة إلى سياسة تقليص الخسائر، يقوم الجيش الآن بتفعيل أجزاء من الاحتياطي الفردي الجاهز في سياق ما يدعوه البنتاغون بـ"تعبئة غير تطوعية".
ويتألف الاحتياطي الفردي من جنود ليس من المتوقع منهم أن يشاركوا مجدداً حتى في التدريب الدوري المنتظم، والفكرة في ذلك هي وجوب استدعائهم فقط في حالات الطوارئ ال