أحد الناجين العرب من العملية الإرهابية القبيحة التي ارتكبتها المجموعة الإرهابية في الخبر بالمملكة العربية السعودية، قال لوكالة أنباء غربية إن الإرهابيين كانوا قد أمسكوا به وبآخرين لا يعرفهم كرهائن، وعندما حانت لحظة ارتكاب الجريمة، سألوه هو وشخصاً آخر عربي الجنسية أيضا كان يقف إلى جانبه السؤال التالي:"هل أنت مسلم؟"... فأجابهم قائلا:"نعم"... ثم التفتوا إلى الآخر وسألوه:"وأنت؟"... فرد عليهم:"أنا مسيحي"... فما كان منهم إلا أن أطلقوا النار عليه بدم بارد وبكل بشاعة فأردوه قتيلا وتركوه غارقا وسط دمائه... ثم أطلقوا سراح المسلم!
وبالطبع فقد تفننت بعض وسائل الإعلام الغربية في نقل مثل هذه الرواية، وخاصة أنها رويت على لسان أكثر من رهينة ممن شاهدوا أو سمعوا الواقعة عقب انتهاء عملية الخبر وقيام قوات الأمن السعودية بتطهير المنطقة من الإرهابيين. ولم نشأ نحن العرب والمسلمين أن نركز عليها لأنها تشكل فضيحة أخلاقية ووخزا في الضمير الإنساني وجرما تحرمه كل الأديان السماوية. فمنذ بدء الخليقة، لم يأت دين سماوي يجيز قتل من هو ليس على دينك وملتك ومذهبك، بل حرصت كل الأديان على الدعوة لعكس هذا الأمر تماما.
وهذه الحادثة تفتح النقاش على طبيعة الإرهاب الآخذ بالضرب في جذور وأعماق بعض الأقطار العربية والإسلامية، والذي يهدد بشكل فعلي بالانتشار كما تنتشر النار في الهشيم. فمن السذاجة أن تظن بقية الدول العربية، وبخاصة الخليجية، أنها في مأمن من وصول وباء العمليات الإرهابية إلى أعماقها. ومن السذاجة أن تعتقد أن بالإمكان القضاء على هذا الداء العضال بالعمليات العسكرية فقط، وإن كانت من الضروريات القصوى في هذه المرحلة التي يضرب فيها الإرهاب بعمق وقوة وجهالة وتخبط في كل الاتجاهات.
ولكن السؤال المطروح اليوم هو: ماذا يريد الإرهاب والإرهابيون؟. هل يريدون إصلاح مجتمع فاسد كما يزعمون؟. إذا كان هذا هو الهدف، وإذا صدقنا هذا الكلام الفارغ والتبرير الساذج، فلماذا إذاً يمارسون القتل على الهوية والمذهب؟. ومن قال إن الدين الإسلامي أجاز في يوم من الأيام قتل الناس لانتمائهم المذهبي أو الطائفي أو الديني؟.
أما إذا تساءلنا عن الأفق السياسي الذي ينطلق من خلاله هؤلاء المفسدون في الأرض، فإن السؤال الذي يبرز تاليا هو: أي برنامج أو فكر سياسي يجيز قتل الأبرياء وتخريب وتدمير المنشآت الاقتصادية والمؤسسات المدنية كما فعلت الفئة الخارجة عن القانون في الخبر بالمملكة العربية السعودية؟. وهل ما يطالبون به من تدمير للدولة وقضاء على الحكومات العربية والخليجية وإقامة ما يسمونه بـ"الإمارة الإسلامية" هو ضمان لإقامة نظام إصلاحي ينهج الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير؟. وهل تتقبل الفئات الإرهابية التي تصبغ نفسها بصبغة الإسلام تطبيق نظام ديمقراطي حر يدعو للتعايش السلمي بين جميع الفئات والأديان والمذاهب والتيارات الفكرية؟. أم أن تلك الفئات والجماعات التي تتشدق بالدين، في حال وجودها في الحكم لا سمح الله، ستتحول إلى أكبر ديكتاتوريات قمعية ترفض الحوار وتقمع الرأي الآخر الذي لا يتفق معها؟
إن الحالة التي أوردها ذلك العربي المسلم الذي أطلق الإرهابيون سراحه بعد أن قتلوا أمامه الآخر المسيحي الديانة، تدل على أن تلك الجماعات الخارجة عن القانون ليست إرهابية فقط، بل هي جماعات تنهج الفكر العنصري المقيت بعد أن تشربت من الفكر الإجرامي الذي قام تنظيم مثل "القاعدة" بنشره وتغذية أفكار الشباب المسلم به منذ عقود خلت حتى الآن.. .