منذ أن تكونت الصهيونية كفكرة ذات نزعة استعمارية شديدة التطرف، تكونت معها جميع المؤسسات التي بنت هيكل الكيان الصهيوني، فباتت تلك المؤسسات تعمل وفق المنهج ذاته، وأهمها جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد). الدراسات العديدة التي تناولت الشخصية اليهودية وجدت أنها تتوافر على مقومات العمل السري، وذلك لاتصافها بالدهاء وتقديس المال، وكونها ضعيفة الوازع. وقد فسر افرايم هاييفي، أحد مدراء "الموساد" السابقين، في مقالة نشرتها له صحيفة "يديعوت أحرانوت" الإسرائيلية، تلك الحالة عندما قال: "إن التجسس حق وواجب مقدس للإسرائيليين"، مستشهداً بنصوص ومقولات توراتية تدعم قوله. ويضيف أن إسرائيل، وقبل أن تصبح دولة، نظرت إلى الاستخبارات بوصفها الجدار الذي تستند إليه في نشاطاتها الحكومية كدولة، وقد آمن قادتها على الدوام بأن الفجوة الديمغرافية بينها وبين أعدائها تقتضي توفير معلومات استخباراتية جيدة عنهم، وذلك تعويضا عن إنشاء جيش ضخم لا تملك المقومات البشرية والاقتصادية لإنشائه. فالاستخبارات إذن شرط لمنعة الدولة اجتماعياً وحضارياً، كما يقول هاييفي. وبذلك فإن "الموساد" يستمد سماته من المجتمع والدولة اليهوديين، فهو ذراعهما الأطول والأشد هجومية وعدوانية. ونعلم أن إسرائيل تكونت نتيجة مجموعة من العمليات الإرهابية السرية، وأن غالبية قادتها، من مناحيم بيجن حتى إيهود باراك، عملوا ضباطاً في جهاز "الموساد". وتاريخياً فإن "الموساد" سبق وجود الدولة، وكانت مهمته الأولى التمهيد لقيام الدولة من خلال تنظيم الهجرة غير الشرعية إلى فلسطين، وتهريب الأسلحة للعصابات الإرهابية الصهيونية. لكن خطورة هذا الجهاز برزت في العقود الأربعة الأخيرة بعد أن أصبح له تنظيم حديث ودور أكبر ومهام أخطر... ولم تقتصر مهام هذا الجهاز على مسألة تنفيذ العمليات، وتجميع المعلومات، والتخريب السياسي، وزرع العملاء والفتن، ومراقبة الحركات السياسية والمؤسسات الاجتماعية والاقتصادية، واستخدام الإعلام. وبخصوص النقطة الأخيرة، فقد ذكر عميل الـ"سي أي إيه" السابق روبيرت بايير الذي عمل 20 عاماً في الدول العربية، أن عناصر من "الموساد" كانوا يتظاهرون بأنهم صحافيون فيوزعون الأخبار التي يريدونها على بعض الصحف العربية، منتحلين جنسيات غير إسرائيلية. وهذا أيضاً ما أكده ريتشارد تومليسون، ضابط المخابرات البريطانية السابق في كتابه "الاغتصاب الكبير". كذلك فقد أدخل "الموساد" في عملياته التجسسية تقنية الأقمار الاصطناعية، وحسب موشيه كارت مدير الصناعة الجوية الإسرائيلية، فإن إسرائيل تستطيع بواسطة هذه الأجهزة الاستطلاعية والاستشعارية المتطورة والدقيقة، التجسس على كل شبر داخل المنطقة. وإلى ذلك فقد قال ستيوارت ستيفن في كتابه "سادة الجاسوسية في إسرائيل"، أن يد "الموساد"، ومنذ سبعينيات القرن الماضي، طالت العديد من القيادات والرموز الفلسطينية والعربية، ولم يسلم منها العلماء والكتاب والمفكرون والأدباء والفنانون. وربما أخذ هذا النهج في ممارسات "الموساد" وأنشطته، بعداً جديداً أكثر تعقيداً وأقل ظهوراً في ظل العملية التفاوضية التي جرت خلال سنوات ما بعد أوسلو، حيث يعتقد أن جهات إسرائيلية كثيرة استطاعت دخول كثير من الدول العربية تحت أسماء وبهويات غير إسرائيلية. وقد نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية منذ فترة تقريراً يتحدث عن أن عشرات من كبار الضباط السابقين وعدداً من كبار مسؤولي جهازي "الشاباك" و"الموساد" السابقين أيضاً، لهم نشاطات مكثفة في عدد من الدول العربية، حيث يتحركون بأقنعة مختلفة وجوازات متعددة ضمن شركات أجنبية يديرونها من الباطن. وهو اختراق نجد ما يعززه في مذكرات الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام.