شمول الخطوات الإصلاحية في المملكة العربية السعودية مطالب المرأة، وتنويع مجالات العمل أمام النساء السعوديات، وبخاصة الخريجات، وذوات المؤهلات الرفيعة والكفاءات الإدارية والعلمية والاستثمارية، قد تكون من أعقد جوانب المسيرة التي بدأت في المملكة منذ فترة. فدخول المرأة ميادين العمل في المملكة على نطاق واسع أصبح ملحاً، والأوضاع الاقتصادية للأسرة هناك كما في دول كثيرة، باتت بحاجة إلى عمل الزوجين بعد ارتفاع مصاريف المعيشة وكثرة مطالب الأبناء، وأعداد النساء المؤهلات الراغبات في العمل، بما في ذلك حملة الشهادات العالية، في تزايد، والتوجه المحلي والدولي نحو الانفتاح وإعطاء شرائح المجتمع، وبخاصة المرأة، المزيد من الحريات الاجتماعية صار من البديهيات. في المقابل، هناك الشد والجذب داخل الدولة والهيئة الدينية والقوى الاجتماعية والرأي العام، حول طبيعة هذه الحريات، ونوعية الوظائف المسموح للمرأة العمل فيها، وكيفية المواءمة بين دمج المرأة في قطاع الدولة والنشاط الخاص، مع مراعاة كل التحفظات الدينية، والطبيعة الذكورية المحافظة للمجتمع من جانب آخر. ويدرك كل من يتأمل التطور الاقتصادي والسياسي والسكاني والكوادر البشرية في المملكة، آخذاً في الاعتبار بعض ما أشرنا إليه من مستجدات محلية وعالمية، أن إدخال المرأة السعودية مجالات العمل والتنمية، بات أمراً لا مفر منه، مهما كانت حجج قوى العزل والمحافظة. إذ لم يعد ممكناً لدولة في مكانة المملكة العربية السعودية أن تمارس دورها المحوري خليجياً وعربياً ودولياً، وسط هيمنة الضغوط الاجتماعية الموروثة، وغياب المرأة السعودية عن الحياة العامة. ورغم أن هذا الانفتاح لن يكون دون تحديات ومصاعب، إلا أنه لحسن الحظ مدعوم بالكثير من التأييد المحلي والدولي. وقد رأينا كيف جوبهت الفتوى الصادرة عن الموقع الرسمي للشيخ "ناصر البراك" بالرفض، والتي نصت على جواز قتل مستبيح الاختلاط في العمل والتعليم. ولدى المؤسسات الدينية والهيئات والشخصيات السلفية مخاوفها واعتراضاتها المعروفة والمثارة دائماً. ولكن الباحثة السعودية د. "مضاوي الرشيد" تبدو غير متحمسة لهذه الخطوات، وترى أن المرأة السعودية رغم كل قفزاتها العالية في مجال العلم ومختلف المهارات، تمثل أقل من 5 في المئة من اليد العاملة، ولا تزال نوعية التعليم وموارده، كالمكتبات والمختبرات وغيرها، قاصرة على توفير نخبة تربوية متكاملة ومساوية لتلك المتوافرة للرجل. ولهذا، تضيف الباحثة: "في مجتمعنا السعودي نجد أن المرأة التي تخرج للعمل تجد نفسها بلا مؤسسات حكومية تساعدها، ولا حتى مجتمع يتفهم ظروفها (ربما هي تخرج للعمل بسبب اقتصادي بحت) ولا زوج (هذا إن وجدت واحداً) يتفهم سبب خروجها للعمل. فالمرأة العاملة هي دائماً متهمة بالتقصير تجاه زوجها وأولادها وأسرتها، وهي لم تخرج من بيتها طلباً للعمل بسبب الرفاهية والضجر، بل بسبب الحاجة الاجتماعية والاقتصادية في معظم الحالات. وقد تسلمت مهمات في التربية والتعليم والطب والعمل الخيري والاجتماعي وغيرها من الوظائف التي سمح لها المجتمع بممارستها". وقد نرى إلى جانب هذين التوجهين تياراً سعودياً ممتعضاً مما يعتبره "هيمنة الليبراليين والعلمانيين والحداثيين" على القرار الإصلاحي، هيمنة ستخل بتوازن المجتمع، وتزعزع العلاقة بين الرجل والمرأة، وتجلب للمجتمع السعودي أدواء المجتمعات الغربية! بعض التقارير الصحافية، شديدة التفاؤل، من بينها ما يشير إلى أن: "المرأة السعودية تعيش شهر عسل، قفزت حواجز العادات والتقاليد وتفوقت على الرجل"! أورد التقرير نماذج حية لكفاءة المرأة السعودية، "المرأة السعودية أصبحت تنجز عالمياً ما لم تنجزه الكثيرات في الوطن العربي، ولن يكون آخرها بطبيعة الحال الحضور الأخير لغادة باعقيل، التي فازت بجائزة أفضل مشروع نسائي على مستوى العالم، في خطوة تتواصل مع الكثير من اللواتي سبقنها إلى الإنجاز العلمي والعالمي، متجاوزة في استثناء لافت كل التحديات التي تواجه المرأة السعودية بوصفها في مجتمع يغلبه الرأي الذكوري في الأغلب.. الإنجازات السعودية أكدت تفوقها على المنجز الذكوري خاصة، مع بروز أسماء مثل البروفيسورة غادة المطيري والبروفيسورة حياة سندي وغيرهما، ممن يعتبرن طفرة فكرية في مسار التحقيق العلمي والأبحاث.. وقد اختيرت حياة السندي في 17 سبتمبر 2009، ضمن أفضل 15 عالماً حول العالم من المتوقع أن تغيروا من وجه الأرض عن طريق أبحاثهم ومبتكراتهم". وفي مجالات ابداعية أخرى، قال التقرير "حققت السعودية غادة المطيري حضوراً غير مسبوق بترؤسها مركز أبحاث في جامعة كاليفورنيا ونالت أرفع جائزة للبحث العلمي في أميركا على اختراعها الذي يعتبر بديلاً عن العمليات الجراحية في علاج بعض الأورام السرطانية دون تدخل جراحي، أو كتقنية لإدخال العلاج لمرضى السرطان، وبالتالي الاستغناء عن عمليات التدخل الجراحي. وفي مجال التفوق العلمي الطبي نفسه تسجل د. هويدا القثامي نفسها، كحالة خاصة، حازت على وسام الملك فيصل من الدرجة الرابعة، حيث تعد الاستشارية الأولى لجراحة القلب للأطفال في الشرق الأوسط والثانية على مستوى العالم، وفي مقدمة أبرز خمسين شخصية شهيرة على مستوى العالم". وكان الإسلاميون السعوديون قد سجلوا سبقاً إعلامياً في الصحافة، عندما نشرت صحيفة "أوان" 2009/11/13 خبراً وتقريراً عن اقتحام ثلاثة من المتشددين مقر غرفة تجارة وصناعة شرق السعودية، لإيقاف قبول ترشيح سيدات الأعمال في انتخابات عضوية مجلسها، مع إغلاق باب الطعون في المرشحين الأربعين الذين كان من بينهم 4 مرشحات. وقال المتشددون للصحيفة، واصفين أنفسهم بالمحتسبين، إنهم تقدموا بعريضة اعتراض على فتح باب المشاركة للمرأة في انتخابات عضوية مجلس إدارة الغرفة، في محاولة لثني سيدات الأعمال الحاصلات على الترشيح عن قرارهن. وقد قدموا إلى المسؤولين في الغرفة صحيفة اعتراض جاء فيها: "ساءنا وآلمنا ما قامت به الغرفة التجارية بالشرقية من السماح للمرأة بخوض الانتخابات، وكما تعلمون، أن فتح المجال في مثل تلك الأمور التي تخالف الفطرة الشرعية وتسبب الخلل الأخلاقي، هو فتح باب شر عظيم على مجتمعنا". وقد ساد جو من التوتر بين المرشحات الأربع، مما دعا إلى انسحاب أحداهن ليتقلص عددهن إلى ثلاث مرشحات فقط. ووصفت سيدات أعمال المنطقة الشرقية مجتمع الأعمال الرجالي بالمتخاذل تجاه دعم المرشحات في انتخابات مجلس إدارة الغرفة، في تحريك عملية التصويت لصالحهن، كما عاودن الطلب بضرورة منح سيدات المنطقة الشرقية الفرصة في نيل مقعد في مجلس إدارة الغرفة من خلال التعيين، بهدف تفعيل نظام "الكوتا"، ووصفت د. لمى السليمان الامتناع عن التصويت للمرأة بـ"العقدة". وأضافت قائلة: "عندما يجد البعض أن الكبار مستعدين للتصويت لسيدة تذهب هذه العقدة، والنظر لذلك بأنه عيب"، فيما وصفت القبيلة والعائلة بأنها "السلاح القوي للفوز"، وشددت على دعم المرأة للمرأة. ومن نصائح د. لمى السليمان ذات الدلالة، مطالبتها "بتوحيد مداخل الغرف التجارية" قبل توحيد الأصوات النسائية، قائلة: "أولاً وأخيراً لابد من إيجاد مدخل واحد، بدلاً من مدخل الأقسام النسائية، بحيث يدخل النساء والرجال من نفس الباب ثم يفترقوا، من دون أبواب جانبية". وقوبل اقتراحها بتصفيق كبير من الحاضرات، فيما أردفت قائلة: "هيئة الأمر بالمعروف لم يعجبها ذلك، حتى وجدنا حلاً يرضي الجميع، بأن يبدأ دوام السيدات الساعة 8 صباحا، والرجال في التاسعة، وأصبحنا ندخل من باب واحد". ومن الخطوات ذات المغزى التي أشارت إليها الصحف إنابة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز امرأة، لأول مرة، في افتتاح ملتقى رسمي وهو الملتقى الأول للجمعيات الخيرية النسائية في القصيم، ضم 300 سيدة من أنحاء المملكة ومن دول عربية. وأشارت الصحف في نوفمبر 2009، إلى اقتراب وزارة العدل السعودية من الترخيص للمحاميات بالترافع أمام الأجهزة القضائية، "شرط الترافع عن المرأة فقط، وأن تعمل وفق ضوابط المحاكم الشرعية لدخول النساء في أروقتها".