انبهر العالم لدولة الإمارات العربية المتحدة في معالجتها قضية اغتيال المبحوح، وكيف استطاعت وفي فترة قياسية، إظهار القرائن بما فيها تحركات وصور وأدوات الجريمة والسجلات المالية وصور الجوازات. التحرك الإماراتي السريع جاء وفق منهجية علمية مدروسة لمثل هذه العمليات المتوقع حدوثها. والاستغراب هو كيف لدولة عربية أن تتحرك وفق نظام مستحدث وتقني متطور لمتابعتها مرتكبي جريمة من هذا النوع. لقد سبقت اغتيال المبحوح اغتيالات مختلفة في دول عربية، ووجهت الاتهامات فيها لـ"الموساد"، لكن دون قرائن، ففلت الجهاز من المسؤولية العالمية. لكن الاستغراب العالمي فيما يتعلق بملف اغتيال المبحوح، مرده أن هذه الدول لا تعمل وفق نظم أمنية، وإن ملكت الأدوات فهي تعجز عن المواجهة. وكان الاستغراب كبيراً من نشر صور مرتكبي الجريمة والمطالبة بملاحقتهم، وتحميل العالم مسؤولية مثل هذه الجرائم التي لا تختلف عن جرائم الإرهاب التي اعتدنا عليها. لقد تحركت دولة الإمارات لتحافظ على وضعها واستقرارها، ونظرت لأبعاد الجريمة، وفي رسالة للعالم مفادها أن أرض الإمارات لا يمكن أن تتحول إلى ساحة للتصفيات. وبكل تأكيد فإن الإمارات فاجأت العالم، ولو كان النظام العربي قوياً بما فيه الكفاية، لطالب العالم بكشف خيوط الجريمة، ومارس ضغطه لفضح جرائم الإرهاب التي يرتكبها الغرب، بينما لا يتوجه الاتهام عادة إلا إلى عالمنا الإسلامي باعتباره راعيا للإرهاب. وهنا المفارقة التي كنا دائما نؤكد بخصوصها أن الإرهاب يتغذى على بعضه، وأنه نشاط لا دين ولا مذهب له. وما حدث سوف يدفع بعض الجهات المرتبطة باغتيال المبحوح لأعمال انتقامية، وقد يسعى بعضها إلى النيل من أهداف مدنية... ومن ثم ستزداد الشكوى من تنامي جرائم الإرهاب العالمي. لذلك يجب العمل على مواجهة الإرهاب والتصدي لأعمال العنف والجرائم المنظمة. ولا شك أن طريقة التصرف الإماراتي في التصدي لما حدث ومتابعته وكشفه، هو الإجراء الضروري والكافي لصد مثل هذه الجرائم. كيف يقف العالم حيال هذه الجريمة؟ الغرب أو الدول المعنية بالموضوع، في حيرة من أمرها، فهي مطالبة بمواجهة إسرائيل وخصوصا الولايات المتحدة باعتبارها الدولة التي صدرت منها بطاقات الائتمان، وأحد منفذي الجريمة غادر إلى أميركا. ورغم رفض الجريمة والإحراج الذي واجهته الدول المانحة للجوازات، فإن الجميع لن يذهب بعيداً في متابعته لخيوط الجريمة لأن إسرائيل هي الدولة المعنية، ومن ثم فإن اختلال المعادلة في مواجهة جرائم الإرهاب يشكل لنا مصدراً مقلقاً لكون الغرب لا يريد أن يقف على الحياد في مثل هذه المواجهات. والفارق بيننا أن المكينة الإعلامية الغربية تتحرك وفق رؤية، بينما نحن العرب لا رؤية تدفعنا أو تجمعنا. غير أن التحرك الإماراتي جاء ليحفظ للدولة استقرارها، ويحمّل العالم مسؤوليته. الكل يشعر بالإعجاب للموقف الإماراتي ونتمنى من دولنا وجامعتنا العربية أن تدرس بعناية الحالة الإماراتية لكي تعرف المغزى والرسالة السياسية الموجهة للعالم. اختلال المعادلة بيننا وبينهم هو مصدر الضعف الذي يطبع القرار العربي. ولا نعتقد أن العرب قادرون على الخروج من مآزقهم، لكونهم غير راغبين في مواجهة حقيقية لتغيير الفهم السائد عن العرب باعتبارهم غير عابئين ولا يتحملون المسؤولية كأعضاء في المنظومة العالمية.