أرسل لي أخ فاضل ينقل عن خبر عرضه التلفزيون الروسي حول طفل عجيب، في شهره التاسع، جلده أبيض ناصع، ترتسم فوقه بلون قرنفلي آيات قرآنية على نحو غامض، في يومين فقط هما الجمعة والاثنين، لتختفي ثم تظهر بالتتابع. وفي الخبر أن الرضيع تعتريه حمى شديدة بالليل الذي يسبق ظهور الآيات على جلده، فلا تنفك حتى الصباح حين يبدأ اللون بالتباهت! اسمه "علي ياكوبوف"، أبوه شرطي، من مدينة كيزلاير الروسية. وقد أرسل لي الأخ الفاضل بعض الصور للتأكيد على جدية الموضوع، وقرأت في بعض منها الآية: "فلنقصَّن عليهم بعلم وما كنا غائبين، والوزن يومئذ الحق..."، مكتوبة بلسان عربي مبين. وأمام انتشار الخبر ونقله بالإنترنت؛ زحف آلاف الناس لرؤية الطفل المعجزة وللتبرك به. هذا الخبر وصلني في نفس الوقت مع خبر آخر عن رؤية في المنام لرجل صالح، كان في يوم من الأيام إماماً في الحرمين، فكُشفَ له عن شعرة من لحية النبي صلى الله عليه وسلم، يمكن العثور عليها في الصفحة السابعة من سورة الأنعام. وهي تقريباً نفس القصة التي روتها لي والدتي وأنا غلام يافع، وحينها بدأنا فعلا تقليب صفحات المصحف، ولما وصلنا للصفحة السابعة وعثرنا على شيء يشبه الشعرة، هتفت والدتي رحمها الله: لقد اجتمعنا بالنبي والمعجزة. كانت الرسالة الموجهة من إمام الحرمين يومها قبل أكثر من نصف قرن نوع من الكلام والأدعية، وأن أفضل عمل يمكن أن يتقرب به صاحبه إلى الله نسخ مائة نسخة من تلك الرسالة، ولم تكن يومها ماكينات التصوير والسكانر والسحب متوافرة، فكان على من يصدق أن يقضي أسبوعا كاملا وهو ينسخ الكلام مع كومة أغلاط ليدورها على الآخرين، فتزداد الأغلاط كومتين... وهكذا يمكن للأمة أن ينصلح حالها، كما جاء في حيثيات توزيع الرسالة الغامضة! هذه القصة تذكرني أيضا بقصة قبر أبو محمود من مدينة القامشلي، حيث تحتشد الخرافة مع التاريخ و18 فرقة دينية و13 لغة تذكر ببابل. كنت يومها طالبا في مرحلة البكالوريا أحمل كتابي وأدرس في البرية الفسيحة. وفجأة ظهر قبر في بستان وراجت الإشاعة أن أبا محمود رأى وليا يأمره ببناء القبر ووضع علم أخضر فوقه، لكن الشيء الذي لم نسمع به ورأيناه كان "طاسة" عند الرأس لجمع مال المتبرعين! أنا شخصيا تعجبت من الأمر واستخففت بعقل الرجل، لكن المفاجأة جاءت من بيتي، فقد قالت لي أمي رحمها الله: خالص، أشكو من روماتيزم في الركب، وفي نيتي أن أزور قبر أبي محمود فأتمسح به وأشفى. وفي ظهيرة ذات يوم رأيت امرأة كردية تتحدث لجارتها وهي تسوق حمارها؛ سوف أرجع إلى البيت بعد الطواف حول قبر أبي محمود! وخلال أسابيع قليلة كانت الزحوف بالآلاف، حتى قام خطيب المسجد يومها بمهاجمة أبي محمود وقبره المزعوم، وطالب الدولة بالتدخل، حتى كان ذلك اليوم الذي يذكّر بقصة أبي سفيان وكسر الأصنام في الطائف، فقد جاء في السيرة أن أحد الصحابة أمسك بالمعول وضرب رأس الصنم الأول وأبو سفيان ينظر ويخوِّف الناس من انتقام الآلهة، ولم يخبه الصحابي حيث ألقى بنفسه على الأرض بعد ضربة المعول، فشهق أبو سفيان وقال: لقد قام الأموات من القبور ينتقمون! لم يشأ الصحابي أن يمدّ في متعة أبي سفيان؛ فقام وهو يضحك ملء شدقيه، وتابع تحطيم الأصنام والأوهام. إن أبا سفيان الروسي موجود، لكن لا وجود لمثل ذلك الصحابي بيننا حالياً، وعلى الأوهام أن تنتشر، من فلسطين إلى قرقيزيا وجزيرة كمشتكا وسخالين..!