تسببت الأزمة المالية العالمية في تعريض أربعة من الاقتصادات الأوروبية لمحنة حقيقية، كما أنها وضعت العملة الأوروبية أمام امتحان حقيقي، فاقتصادات اليونان وإسبانيا والبرتغال وإيرلندا تجاوزت المعايير المحددة في اتفاقية "ماسترخت" للعملة الأوروبية الموحدة، مما قد يؤثر على منطقة "اليورو" برمتها. ومع أن معظم اقتصادات "اليورو" قد تجاوزت هذه المعايير، بما فيها الاقتصادات الكبيرة، كألمانيا الاتحادية وفرنسا وإيطاليا، إلا أن نسبة تجاوز هذه البلدان ظلت في الحدود المقبولة بشكل عام، في حين وصل الوضع إلى حد الانهيار في اليونان، حيث تجاوز عجز الميزانية 12 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي، في حين تسمح معايير اتفاقية "ماسترخت" بالمحافظة على 3 بالمئة، كحد أعلى، كما تجاوز الدين العام 140 بالمئة، مقابل 60 بالمئة المسموح به وفق اتفاقية الاتحاد النقدي الأوروبي. وفي خطوة ذات دلالات كبيرة، قرر الاتحاد الأوروبي تقديم دعم فوري لليونان بقيمة 20 – 25 مليار "يورو" لانقاذ الاقتصاد اليوناني المعرض للانهيار بسبب بعض السياسات الاقتصادية والمالية، التي اتبعت خلال سنوات الوفرة المالية وسهولة الحصول على القروض والتسهيلات الائتمانية. والحقيقة أنه لم يكن أمام الاتحاد الأوروبي إلا القيام بمثل هذه الخطوة لمحاصرة الأزمة اليونانية ووقف امتدادها لبقية أعضاء الاتحاد، على اعتبار أن العجز عن السداد أو إعلان الإفلاس سيكبد المؤسسات المالية والمصارف الأوروبية مليارات من "اليورو"، علما بأنه بالكاد استطاعت البلدان الأوروبية ومعها بقية بلدان العالم من محاصرة تداعيات الأزمة المالية العالمية، وبالتالي، فإنها ليست بحاجة إلى انتكاسات جديدة تنسف ما تم تحقيقه من تقدم ملموس على طريق التعافي. ومثلما تسترد الحكومة الأميركية حالياً مبالغ الدعم التي قدمتها للبنوك والمؤسسات المالية في بداية الأزمة، حيث تحاول الحكومة البريطانية عمل الشيء نفسه، إذ أشار رئيس الوزراء البريطاني إلى أن على المؤسسات التي تلقت دعم الحكومة إعادة هذه الأموال حتى "البنس" الأخير، فإن الاتحاد الأوروبي سيقوم بدوره باسترجاع كامل المبالغ المقدمة لليونان وغيرها من البلدان، فالاتحاد ليس جمعية خيرية، وإنما تحكمه قوانين تطبق على الجميع. وإذا تتبعنا التاريخ الاقتصادي للبلدان الأربع المشار إليها، وبالأخص اليونان، فإننا سنجد أن الأوضاع المالية فيها كانت مهزوزة دائماً بسبب ضعف الرقابة المالية وقلة الموارد، مقارنة بالبلدان الأوروبية الأخرى. لذلك ستشكل الأزمة الشديدة في اليونان تجربة مفيدة للاقتصاد اليوناني والذي سيتعافى بفضل المساندة الأوروبية، حيث يتوقع أن تحذو اليونان والبلدان الثلاث الأخرى حذو بقية الأعضاء في الاتحاد النقدي فيما يتعلق بالالتزام بالمعايير والأنظمة الجيدة المعمول بها في نطاق منطقة "اليورو" الذي يكتسب المزيد من القوة في التعاملات المالية والنقدية في الأسواق العالمية. لقد أثبتت الأزمة رغم قساوتها أن الاتحاد الأوروبي تحول إلى حقيقة واقعة، باعتباره منطقة اقتصادية وتجارية ونقدية متماسكة وذات آفاق مستقبلية تصب لصالح كافة البلدان الأعضاء المنضوية تحت راية هذا التجمع المثير للإعجاب، بدليل أن ولاية كاليفونيا الأميركية أصبحت تغار من المساعدات السخية التي حصلت عليها اليونان، مقابل المساعدات المتواضعة التي حصلت عليها ولاية كاليفورنيا من الحكومة المركزية في واشنطن. ومن حسن الطالع، بالنسبة لليونان نفسها أنها عضو في الاتحاد النقدي الأوروبي، وإلا فإنها ستواجه الإفلاس لا محالة، أما مشاكل البلدان الثلاث الأخرى، إسبانيا والبرتغال وإيرلندا، فإنها أقل حدة من تلك التي تواجهها اليونان، حيث يمكن الاتحاد الأوروبي بإمكاناته الهائلة معالجة مشاكل البلدان الثلاث التي تعاني من عجز كبير في الموازنة ومن تراكم حجم الديون.