عندما زار الرئيس الأميركي أوباما القاهرة في يونيو 2009 وتعهد في خطابه الشهير بمد الجسور مع العالم الإسلامي وإصلاح ما لحق بالعلاقات بين أميركا والمسلمين من ضرر والتأسيس لروابط قائمة على "المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل"، اعتبر العديد من المراقبين أن المبادرة الأميركية ستقف عند هذا الحد وأن الغرب بصفة عامة لن يزيد على خطابه الودي الذي أراد به تهدئة التوتر المتصاعد بين الجانبين والتخفيف من الهجمة التي بات يستشعرها المسلمون على دينهم... إلى أن جاء المفكر والباحث في الشؤون الإسلامية، "جون إسبوزيتو"، ليحول هذا الجهد الخطابي إلى عمل بحثي يندرج ضمن سياق بات مطروحاً بقوة في الآونة الأخيرة متمثلا في محاولة التقرب من الإسلام وتفكيك التصورات المغلوطة المحيطة بالمسلمين. فالكتاب الذي نعرضه هنا بعنوان "مستقبل الإسلام"، يأتي في سياق اهتمام غربي متصاعد بالإسلام، لكن مع استمرار الأفكار والتصورات السلبية حول المسلمين، هذه التصورات التي أكد استطلاع رأي أجراه مؤخراً معهد "جالوب" وأظهر أن غالبية الأميركيين مازالوا يجهلون الكثير عن مبادئ الإسلام الأساسية، وأن الجهل الواضح بالإسلام لم يمنع أغلبهم من تبني أفكار سلبية حول المسلمين. إنها المسبقات التي تقف أمام أي جهد لتبديد الأفكار المغلوطة حول الإسلام، والتي ترسخها حملات إعلامية شرسة، ما يجعل الحاجة ماسة لكتاب يشكل مرجعاً يوضح للأميركيين كيف يفكر المسلمون والمبادئ الأساسية التي تصوغ رؤيتهم للعالم... هذا الجهد هو ما يسعى سبيزيتو للنهوض به في كتابه هذا. والواقع أن اسبيزيتو يمثل الرجل المناسب للقيام بهذه المهمة، فهو أكاديمي بارز متخصص في الإسلام المعاصر، وسبق أن ألف في الموضوع نفسه 35 كتاباً، كما يرأس "مركز التفاهم المسيحي الإسلامي" بجامعة جورج تاون الأميركية، وعلى مدى مشواره الطويل والمميز، تعرف على الشخصيات الإسلامية البارزة في عصرنا، ما دفعه إلى صياغة تصوره الأساسي حول الإسلام، معتبراً أن ما يحرك المسلمين لا يختلف كثيراً عما يحرك باقي أتباع الديانتين المسيحية واليهودية. والكتاب يبدأ بمقدمة عامة حول الإسلام موجهة للقارئ الغربي العادي، مبيناً القواعد الأولية للإسلام من خلال توضيح التنوع الذي ينطوي عليه الإسلام، والتباينات التي تظهر بين أتباعه بالنظر إلى المساحة الجغرافية الواسعة للإسلام في قارات العالم، لاسيما في آسيا وإفريقيا حيث البلدان ذات الغالبية المسلمة. ومع مجيء القرن العشرين انتقلت أعداد مهمة من المسلمين للعيش في أوروبا الغربية والولايات المتحدة، ليرتفع عدد المسلمين من 12 مليونا إلى 20 مليونا خلال العقد الأخير فقط. هذا التوسع من خلال الهجرات المتعاقبة التي نقلت المسلمين إلى مختلف القارات، جعلت من التقسيمات التقليدية بين الغرب والعالم الإسلامي غير دقيقة بسبب التداخل الديموغرافي للمسلمين وتواجدهم في بلدان غير مسلمة. بيد أن تزايد المسلمين في الغرب لم يؤد إلى استيعابهم إيجابياً هناك، أو إلى تفهم أفضل لدينهم، بل ظهرت الإسلاموفوبيا التي تعبر عن كراهية متزايدة للمسلمين، وهو ما يحذر منه المؤلف باعتباره توجهاً خطيراً لا يقل في تهديده للحضارة الغربية عن معاداة السامية التي قادت إلى فظاعات وكوراث ليس من السهل نسيانها. وبعد المقدمة ينتقل الكاتب إلى محور مهم طالما أسال الكثير من المداد، ألا وهو الدور السياسي للإسلام، وفي هذا السياق يدرس المؤلف التجارب السياسية المعاصرة للإسلام؛ بدءاً بـ"حزب العدالة والتنمية" التركي، وليس انتهاء بالجهاديين الإسلاميين الذي يلجؤون إلى العنف لتحقيق أهدافهم السياسية. لكنه أيضا يسلط الضوء على تذبذب الموقف الأميركي تجاه تعزيز الديمقراطية في العالم الإسلامي والدعم الأميركي المستمر لإسرائيل في استخدام القوة ضد الشعب الفلسطيني على نحو ساهم في تغذية المشاعر السلبية التي يكنها أغلب المسلمين للولايات المتحدة. ويتصدى الكاتب أيضاً لمسألة الإصلاح داخل الإسلام كما ينادي بها البعض. فبالنسبة لكثير من الباحثين الغربيين، يعتبر الإسلام نظاماً لاهوتياً يناسب العصور الوسطى ولا ينسجم مع العصر الحالي، وهو ما يحتم حسب هؤلاء دخول المسلمين في عملية إصلاح تقود إلى التنوير وتنتهي بفصل الدين عن الدولة مثلما حصل في الغرب. غير أن الكاتب يرفض رسم مسارات خاصة للإسلام وإسقاط التجربة الغربية بكل ما حملته من حروب دينية وسفك للدماء على المسلمين. وينتقد فكرة الإصلاح الديني لأن الداعين إليها يفترضون عن خطأ أن الإسلام لا يتحرك، مشيراً إلى الحركات الإصلاحية التي شهدها الفكر الإسلامي طيلة السنوات الماضية، مذكراً بمجموعة من الأسماء الجديدة، مثل الداعية عمرو خالد الذي يقول عنه إن عدد زوار موقعه الإلكتروني يفوق عدد زوار موقع "أوبرا وينفري" لجمعه بين المبادئ الأخلاقية للإسلام، وبين شخصيته الكارزمية ومهاراته التواصلية. وكذلك طارق رمضان الذي بات معروفاً في الغرب لكتابته المتنوعة ولدعوته إلى صياغة إجابات إسلامية خاصة بالجاليات المسلمة المستقرة في الغرب. زهير الكساب الكتاب: مستقبل الإسلام المؤلف: جون إسبوزيتو الناشر: أوكسفورد تاريخ النشر: 2010