ثمة شكوى من طغيان اللغة الإنجليزية في مؤسسات التعليم وغيرها، لكونها أصبحت تنافس اللغة الوطنية. وقد قرأت في عدد جريدة "الاتحاد" الصادر يوم 2010/2/20 شكوى أولياء أمور طلاب ومديري مدارس من خطورة مناهج التعليم الأجنبي قائلين إنها تمس المنظومة الثقافية والحضارية لأبناء الوطن وتشتت انتماءهم للعروبة والإسلام. والحقيقة أن هذا الشعور الذي يسكن أفئدة آباء وأمهات الطلاب لم يأت من فراغ. وتكفي الإشارة هنا إلى ما جاء في رسالة الدكتوراة للباحثة بثينة عبدالرؤوف حول "التعليم الأجنبي وأثره على النسق القيمي للمجتمع المصري"، حيث حذرت من خطورة انتشار التعليم الأجنبي وتأثيره على سلوكيات الطالب المصري وهويته الثقافية. وبينت أن الأطفال المصريين الذين يذهبون إلى المدارس الأجنبية في مرحلة مبكرة، سرعان ما يرفضون ثقافة المجتمع ولغته ويعتنقون ثقافة المجتمع الذي تمثله المدرسة الأجنبية. كما أن المدارس الأجنبية تبني في الطفل المصري أنماطاً اجتماعية تتميز بدرجة عالية من المرونة في أساليب التفكير والاتجاهات بما يتلاءم مع متطلبات سوق العمل في الدول الغربية وليس البلد الأم. ولاحظت الدراسة أن للمناهج الأجنبية كذلك أهدافا تسهم في تدعيم قيم الولاء للمجتمع الغربي وتضعف الانتماء إلى المجتمع المصري، وتخلق جيلاً يعاني حالة من الضياع الثقافي. والأمر المهم في تصوري، والذي يجب التركيز عليه هنا، يكمن في الهدف الحقيقي الذي يحمله التعليم الأجنبي في مناهجه الدراسية، والذي يتغلب على الهدف العلمي والتعليمي، حيث إن غالبية هذه المناهج تتم صناعتها وفق أهداف الدولة المصدرة وليس أهداف البلد المستورد. وبقدر ما في هذه المناهج من علوم ومعارف متطورة، فإن تلك الأهداف تطفو على السطح. وشواهد التاريخ المختلفة تدل على ذلك، ومنها: الأول: خطاب اللورد ماكليز إلى البرلمان البريطاني عام 1835، والذي قدم فيه مقترحه لاحتلال الهند بعد انتهاء زيارته لها حيث قال: "قطعت الهند طولاً وعرضاً، ولم أر فيها متسولاً واحداً ولا لصاً، رأيت أمة غنية بالقيم الأخلاقية والتراث، لديها كم هائل من المثل العليا، ما يجعلني أعتقد أنه يصعب علينا احتلالها دون اختراق قيمها وتراثها الثقافي واللغوي، لذلك اقترح العمل على استبدال نظامها التعليمي ولغتها وتراثها الثقافي بنظام جديد نضعه إلى أن يصل الهنود إلى الاعتقاد بأن كل ما هو إنجليزي هو الأصلح والأعظم". الثاني: ما ذكره الكاتب البريطاني "جي اتش جانسن" في كتابه "الإسلام المقاتل"، عندما قال: "إن الإنجليز والفرنسيين عندما كانوا يستعدون في بداية القرن العشرين لجعل ولايات الدولة العثمانية مناطق نفوذ خاضعة لسيطرتهم، أجروا بحوثا ودراسات كثيرة لمعرفة أسباب وقوة وصلابة الإنسان العربي المسلم... فوجدوا أن أهم سبب كان يكمن في طريقة تعليم الطفل العربي... لذلك خططوا لإضعاف الكتاتيب ونشر المدارس الأجنبية بهدف تكوين طبقة تتعامل مع الأجنبي". الثالث: ما ذكره "روبرت ساتلوف"، مدير قسم السياسة والتخطيط في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، من أن "المدارس الأميركية في البلاد العربية والإسلامية ليست مجرد صروح تعليمية رفيعة المستوى، بل هي سبيلنا أمركة المجتمعات العربية والإسلامية". والخلاصة أن فلسفة التعليم الأجنبي في البلاد العربية تتمثل في إيصال العقل العربي إلى الاعتقاد بأن الآخر هو الأقوى والأعلم، وأنه لا مجال لمضاهاته أو منافسته!