عقد في الأسبوع الماضي اجتماع مجلس التنسيق السعودي اليمني التاسع عشر في مدينة الرياض، وقد ترأسه كل من الأمير سلطان ولي العهد السعودي، ورئيس الوزراء اليمني علي مجور. وقد كان هذا الاجتماع هاماً، فقد شارك فيه عدد من كبار وزراء البلدين، وناقش العديد من القضايا السياسية وقضايا التعاون الاقتصادي والثقافي والصحي، كما شهد توقيع عدد كبير من الاتفاقيات حول مشاريع تنموية في اليمن، بلغت قيمتها حوالي ثلاثة مليارات ريال سعودي. والتعاون الإنمائي بين السعودية واليمن يعود لأكثر من أربعة عقود، وكان هناك مكتب دائم للتنسيق لإدارة مشاريع التنمية التي تمولها المملكة. وقد بنت السعودية أكثر من ثلاثة مستشفيات في اليمن، أحدها في صعدة، والآخر في حجة، وكذلك تقوم بتمويل بناء مستشفى في عدن. وقد تبرع ولي العهد السعودي بإنشاء مستشفى جامعي ومركز للأورام بجامعة حضرموت للعلوم والتكنولوجيا. ووقعت في الوقت نفسه اتفاقيات للتعاون بين الجامعات السعودية وبعض نظيراتها اليمنية، كما وقعت اتفاقيات للتعاون بين كليات التربية في كلا البلدين. وشهد الاجتماع توقيع اتفاقيات متوازية بين قطاعات معينة في كلا البلدين، فقد وقع وزير الصحة اتفاقيات مع نظيره اليمني لتسهيل علاج المرضى اليمنيين في المستشفيات السعودية، وكذلك لإدارة برامج طبية معينة في مجال الصحة العامة، مثل محاربة الملاريا والبلهارسيا. وهناك اتفاقيات بين القطاعات التعليمية في كلا البلدين. وشمل التعاون مجالات السياحة والآثار، وكذلك معالجة المياه، والتدريب الفني والمهني، ومجال الكهرباء، وتوفير الغاز المسال للمواطنين اليمنيين. وهكذا فإن تقسيم العمل التنموي بين الوزارات الخدمية المختلفة في البلدين، من شأنه أن يقوي الروابط والوشائج الثنائية بين الجانبين، وأن يجعل تنفيذ كل منها مستقلاً عن الآخر، وهذا يعني أن أي تأخير أو تعطيل في أحد المسارات من شأنه أن لا يؤثر على مسارات التعاون التنموي الأخرى. ولم تقتصر المباحثات على تقديم المعونات والقروض للأخوة في اليمن، بل تعدتها إلى تنسيق المواقف في قضايا المنطقة السياسية مثل تنسيق المواقف المشتركة تجاه القضية الفلسطينية ووحدة الصف الفلسطيني. وحث البيان الختامي للاجتماع على احترام سيادة العراق واستقلاله والحفاظ على هويته العربية والإسلامية وعدم التدخل في شئونه الداخلية. كما شهد الاجتماع توافقاً وتنسيقاً للمواقف بشأن عدد من القضايا الإقليمية الأخرى. ولا شك أن اليمن يمثّل عمقاً استراتيجياً مهماً للمملكة العربية السعودية، وقد شهدت الأحداث الأخيرة، مثل تسلل المسلحين الحوثيين إلى داخل الحدود الجنوبية للمملكة، كيف أن دولاً إقليمية تحاول استغلال مشاكل الفقر والحرمان في بعض بلدان الجوار وتوظفها لخدمة مصالحها الاستراتيجية الذاتية. وبينما تحرص المملكة وشقيقاتها في دول مجلس التعاون على زرع المحبة والنماء والتطور ورفعة الإنسان في بلدان الجوار العربي، تحاول دول أخرى تصدير مشاكلها الداخلية واستغلال بؤر التوتر الإقليمي لإبعاد الأنظار عن معضلاتها الداخلية وصراعاتها الدولية. ومن ناحيتها، فإن حكومة اليمن حريصة على دعم مسيرة التنمية فيه، وصولاً إلى حصوله على عضوية كاملة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وقد بدأ اليمن منذ عدة سنوات المشاركة في عضوية بعض المؤسسات الخليجية، لكن الوضع الاقتصادي في اليمن يحتاج إلى كثير من المعالجات حتى يصل إلى مستوى مناظر لمستويات التنمية الاقتصادية في بقية دول مجلس التعاون، كما أن الإصلاحات السياسية في اليمن من شأنها أن تجعله أكثر استقراراً وأن تدفع بعجلة الاستثمار فيه إلى الأمام. ولن تتمكن المشاريع الحكومية، سواء الممولة من اليمن أو من شقيقاته في دول مجلس التعاون الأخرى، من الدفع نحو طفرة اقتصادية تقضي على الفقر والجهل والمرض مرة واحدة، فمثل هذا الجهد يحتاج إلى عمل جبار تتضافر فيه جهود الحكومات مع جهود القطاع الخاص اليمني والخليجي كي يدفع الأخير باستثماراته إلى اليمن، حيث ستساهم هذه الاستثمارات، إن توفرت، في خلق وظائف جديدة وفرص استثمار أخرى للمستثمرين المحليين والعرب. إن كل ما يحتاجه اليمن اليوم هو الاستقرار، فالاستقرار مفتاح عافية هذا البلد، وكل بلد آخر. وعلى الحكومة اليمنية خلق جو سياسي جديد يشعر فيه الناس بالطمأنينة والتفاؤل. وبمثل هذه الطمأنينة وذلك التفاؤل يمكن أن تدور عجلة الاقتصاد والتنمية من جديد، سواءً في القطاعات الصناعية أو الزراعية. اليمن أيضاً يعاني من تفشي بعض الآفات الاجتماعية، مثل زراعة واستعمال القات. وكما تقول تقارير الأمم المتحدة فإن زراعة القات تستهلك كميات هائلة من المياه، يمكن أن تستخدم لزراعة الكثير من المحاصيل والأغذية الأخرى التي توفر الغذاء والماء لسكان المدن والأرياف في اليمن. وإلى ذلك فإن جلسات تخزين القات تستهلك حوالي ثماني ساعات يومياً في المتوسط من وقت المواطن اليمني، وفي هذا إهدار لأوقات الناس وطاقاتهم الإنتاجية. كما أن المشاريع السعودية والخليجية في اليمن يمكن أن تمول وتبرمج بشكل مشترك، بحيث يتم التركيز في التمويل على جوانب مختلفة من مشروع إنمائي واحد. ومثل هذا التكامل لا يوفر الأموال المخصصة للتنمية فقط، بل يزيد من المتابعة في التنفيذ وحسن الأداء. طريق اليمن نحو التنمية طريق طويل، لكن أول الغيث قطرة. وإذا تضافرت جهود اليمنيين وأحلّوا السلام والطمأنينة والتعاون والوئام في صفوفهم، فإن من شأن ذلك أن يساعد الأشقاء على القيام بواجباتهم، وتحمل مسؤولياتهم. وإذا ما تبعثرت الجهود، ووجهت بعيداً عن أعمال البناء، فإن أي مبالغ تصرف ستذهب سداً. دعونا ننظر إلى المستقبل بنظرة تفاؤلية، ونتطلع فيه إلى يمن يعود سعيداً ومزدهراً وآمناً كما كان عليه في الماضي بحول الله وقوته.