إذا كان منطق الحركة الصهيونية في بداياتها يقوم على اقتسام فلسطين مع العرب وعدم المجاهرة بالرغبة في الاستئثار بها، فإن ذلك كان بسبب إدراك الصهاينة لميل موازين القوة ضدهم نتيجة لقلة عدد المهاجرين في بداية القرن العشرين، وخضوع فلسطين للحكم الإسلامي الممثل في الدولة العثمانية. لقد تبدل هذا المنطق مع الزمن كلما مال ميزان القوة لمصلحة الصهيونية مع انحسار الحكم العثماني، ومجيء الانتداب البريطاني والتزام بريطانيا بوعد بلفور. لقد ظل الحديث عن دولة لشعبين، أو دولة مزدوجة القومية يتردد في الأدبيات السياسية الصهيونية وفي برنامج حزب "المايام" إلى ما بعد عام 1948 ليختفي بعد التحول الضخم في ميزان القوة في أعقاب حرب 1967 وسقوط أراضي ثلاث دول عربية تحت الاحتلال. هنا بدأ الحديث عن الاستئثار بفلسطين كلها يزداد، ومع وصولنا إلى عام 2010 أصبحت الصيحة الرسمية للحكومة الإسرائيلية أن اسرائيل دولة لليهود من ناحية، وأصبحت الممارسات الفعلية الحكومية، تحضر لإعلان الضفة الغربية المحتلة جزءاً عضوياً من دولة اليهود. المؤشرات هنا عديدة منها الاستيطان ومنها إعلان الجماعات الدينية عن رفض التسوية السياسية وإقامة دولة فلسطينية ومنها أيضاً عملية السطو على تاريخ الضفة ومحاولة تهويد الآثار الإسلامية واستبعاد العرب تدريجياً من إطار الملكية التاريخية لها. إن الحرم الإبراهيمي قد شهد عملية التدرج الصهيوني في السطو فمنذ المجزرة التي ارتكبها مستوطن يهودي في المسجد الإبراهيمي بالخليل عام 1994، قامت السلطات الإسرائيلية بتشكيل لجنة قررت تقسيم الحرم، وتحويل أكثر من ثلثيه إلى معبد يهودي. يقول الشيخ تيسير تميمي قاضي قضاة فلسطين وخطيب الحرم الإبراهيمي إن العرب لم يستسلموا لقرار اللجنة، وظللنا نصلي في المسجد، وندخل في صراع يومي مع قوات الاحتلال لتثبيت الهوية الإسلامية للمسجد. إن قرار نتنياهو بوضع الحرم ومسجد بلال بن رباح على قائمة التراث الديني والتاريخي اليهودي، هو قرار بتهويدهما وتحويلهما إلى معبدين يهوديين. إن علينا أن نلاحظ أن هذا القرار يأتي في لحظة تعبر عن ميل ميزان القوة ميلاً شديداً لصالح إسرائيل. وعن عجز العرب عن التصدي الفعّال لأي مخطط تقوم به اسرائيل بهدف الاستئثار بفلسطين التاريخية وإقصاء العرب منها واستلاب تاريخها. إن التاريخ المسجل للحرم الإبراهيمي يؤكد أن المسجد الإسلامي الحالي قد بُني في عهد صلاح الدين الأيوبي في القرن الثاني عشر الميلادي على أنقاض كنيسة بيزنطية تهدمت بفعل الزمن. إن الرواية التوراتية تقول إن ابراهيم قد أنجب إسماعيل من هاجر المصرية، وأن الرب قد وعد بأن يكوِّن إسماعيل أمة عظيمة، وبعد ذلك أنجب من سارة ابنه الثاني اسحاق، وهنا أرادت سارة إبعاد إسماعيل وأمه بهدف الاستئثار بابراهيم وبعد موتها اشترى ابراهيم مغارة في الخليل يتخذها مقبرة لأسرته. إن منطق استبعاد العرب ومحاولة الاستئثار بتاريخ الأرض يمثل منهجاً قديماً جديداً علينا الحذر منه.