الشرق الأوسط لا يعاني نقصاً في النزاعات: فهناك الحربان في أفغانستان والعراق، وبرنامج إيران النووي، والجمود بين إسرائيل والفلسطينيين. واليوم تضاف بؤرة ساخنة قديمة إلى هذه القائمة: لبنان. والواقع أن الاقتصاد اللبناني حقق معدل نمو لافت العام الماضي بلغ 9 في المئة، وهو أقوى معدل نمو يسجله أي بلد في المنطقة. كما تلاقت فصائله الدينية والسياسية في اتفاق لاقتسام السلطة؛ وانخرط البلد في تسويق نفسه كوجهة سياحية جذابة للأوروبيين والأميركيين. ولكن ومثلما اكتشفتُ خلال زيارتي إلى بيروت الشهر الماضي، فإن اللبنانيين متأكدون من أن كل هذا الحظ الحسن قد لا يدوم طويلا ومقتنعون – ليس بدون أسباب – أن المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران ستتحول إلى حرب أخرى بين إسرائيل ولبنان. فداخل الحدود الجنوبية للبنان، حيث خاضت إسرائيل والميليشيا الشيعية "حزب الله" الحرب في 2006، تساعد إيران وحليفتُها سوريا "حزبَ الله" على إعادة تسليح نفسه؛ حيث يقال إن الميليشيا الراديكالية، التي تدير جنوب لبنان كدولة صغيرة، حصلت على صواريخ تستطيع بلوغ أهداف في تل أبيب؛ كما توعد زعيم "حزب الله" بضرب إسرائيل في الوقت والمكان اللذين يختارهما، وعيد تأخذه الدولة العبرية على محمل الجد، حيث حذر وزير خارجيتها المشاكس أفيجدور ليبرمان في الآونة الأخيرة من أن إسرائيل قد تقوم باستعمال الحرب التالية للإطاحة بنظام سوريا السلطوي. ولكن رغم كل التهديدات والتهديدات المضادة، إلا أن كلا الجانبين مازالا يتوخيان الحذر في الوقت الراهن. إذ لم يتم خلال الآونة الأخيرة تسجيل أي غارات عابرة للحدود أو إطلاق لصواريخ طائشة من أي من الجانبين. وقد اشتكت الحكومة اللبنانية من انتهاك الطيران الإسرائيلي لمجالها الجوي، ولكن جنودها لم يقوموا بإسقاط أي شيء. غير أن هذا التوازن الهش والصعب يمكن أن ينقلب بسهولة؛ حيث يعتقد اللبنانيون أنه في حال قامت إسرائيل بمهاجمة منشآت إيران النووية، فإن "حزب الله" سيرد على ذلك بشن حرب على حدود إسرائيل الشمالية. أو أنه في حال لم يحدث هجوم وقامت الولايات المتحدة وحلفاؤها بفرض عقوبات قاسية على إيران، مثلما تريد إدارة أوباما، فإن ذلك يمكن أن يفضي إلى حرب أيضا، حيث تستطيع إيران أن توعز لـ"حزب الله" بشن حرب حتى يعلق الغرب في أزمة أخرى مكلفة ومشتتة للانتباه. غير أن اللبنانيين ليسوا الوحيدين الذين ينتابهم القلق؛ ففي خطاب ألقاه في وقت سابق من هذا العام، أشار مستشار أوباما لشؤون الأمن القومي الجنرال البحري المتقاعد جيمس إل. جونس إلى أنه "حين يشعر نظام ما بالضغط... فإنه يعمد في أحيان كثيرة إلى الهجوم عبر بدلاء - ومن بينهم، في حالة إيران، "حزب الله" في لبنان... وبينما يزداد الضغط على النظام في طهران على خلفية برنامجها النووي، يزداد خطر مزيد من الهجمات ضد إسرائيل". والواقع أن النظام السياسي الداخلي الهش في لبنان لا يبدو قادرا على منع القوى الأكبر المحيطة به من شن حرب. فـ"ثورة الأرز" - الانتفاضة الشعبية التي سعت إلى تحويل لبنان إلى ديمقراطية ذات توجهات غربية بعد اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري عام 2005 - توقفت خلال العامين الأخيرين. صحيح أنها نجحت في حمل سوريا على الانسحاب من لبنان في 2005 وفي إجراء انتخابات حرة في 2005 و2009، ولكن يبدو أنها قابلت ندها في "حزب الله"، الذي يملك ما يكفي من القوة على الأرض للحفاظ على تحالفاته العسكرية سواء رغبت الحكومة في بيروت أم أبت. اليوم، توجد الحكومة اللبنانية في تحالف صعب يقوده سعد الحريري، حيث تشمل الحكومةُ "حزبَ الله" وفصائل أخرى موالية لسوريا، وجميعها تتمتع بحق نقض قرارات مهمة. كما أن الحريري تصالح مع الرئيس السوري. وفي تعليقه على هذا الموضوع قال لي الحريري في مقابلة معه "لقد كان ذلك ضروريا... لأنه يساهم في الاستقرار". في وقت من الأوقات، كانت حركة الحريري تتعلق في المقام الأول بالإصلاح السياسي؛ أما اليوم، وقد باتت محاطة بسوريا و"حزب الله"، فإنها تركز على الاستقرار والنمو الاقتصادي بدلا من ذلك. ويتحدث المسؤولون كثيرا عن الإصلاح السياسي الديمقراطي، ولكنه لم يعد من الأولويات. فالبنية السياسية اللبنانية تقليدية مثلما كانت دائما: حيث توزع الوظائف الحكومية على أساس الانتماء الديني والمذهبي. ولئن كانت ثمة ثورة قائمة، فهي ثورة خفض التوقعات. في هذه الأثناء، مازال أوباما يدعم الحكومة اللبنانية بالمساعدات العسكرية ويعرض"الانخراط" على سوريا، مثلما يفعل مع إيران. وهذا العام، ترسل الولايات المتحدة سفيرا إلى دمشق لأول مرة منذ اغتيال الحريري الأب، غير أن سوريا حتى الآن لم تقدم شيئا ذا بال بالمقابل. قال لي الحريري، وهو سني على غرار كل رؤساء الحكومات اللبنانية: "إن مهمتي الرئيسية هي توحيد الشعب... والدفعُ بالإصلاح يتم بلطف". وعلى غرار والده، يأمل سعد الحريري أن يمكّن النمو الاقتصادي الحكومة من توفير خدمات أساسية مثل التعليم والكهرباء – وأن يعبد ذلك بالمقابل الطريقَ "بلطف" للإصلاح السياسي إذ قال: "إذا كان لدى الناس ما يخسرونه، فإنهم سيقومون بحمايته". حين التقيت رئيس الوزراء اللبناني في جلسة أقل رسمية - على شرفة منزل كبير على التلال المطلة على بيروت – كان مستريحا ومتحكما في ما يقوله. سألته: ما هو أكثر شيء يحتاجه لبنان؟ فأجاب: "السلام، السلام، السلام". ------- محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم سي تي إنترناشيونال"