خيبة أمل غير عادية أصابتني أثناء حضوري جلسة المجلس الوطني الاتحادي يوم الثلاثاء قبل الماضي والتي كانت لمناقشة موضوع "سياسة الحكومة في قطاع الإعلام"، والسبب هو مستوى نقاش أعضاء المجلس الوطني الاتحادي ونوعية الأسئلة والملاحظات التي طرحت... ورغم ذلك فإني لا أستطيع أن أطالب بإلغاء المجلس الوطني الاتحادي وتحويل مبناه الكبير والمتميز إلى مركز تجاري وتأجير مكاتبه للشركات الخاصة أو تحويل قاعته الرئيسية إلى دار للفنون والاستفادة من المردود المالي لتقديم خدمات للمواطنين. إن ما ذهب إليه الأستاذ عبدالغفار حسين في مقاله حول المجلس الوطني الاتحادي والمطالبة بإلغائه لمصلحة المجالس المحلية، والذي نشر في جريدة "البيان" بتاريخ 15-2-2010 قد نجد من يتبناه في مجالات أخرى . لكن لنفكر كثيراً عندما نناقش بعض الدعائم المؤسسية للاتحاد. وبدلا من أن يطالب عبدالغفار بإلغاء أحد أهم أعمدة الدولة الاتحادية، كان يمكنه المطالبة بتفعيل دور المجالس البلدية والمجالس الاستشارية المحلية، وكان سيجد الجميع يقفون معه ويؤيدون فكرته لأنها تتماشى مع فكرة الدولة الاتحادية التي نعيش فيها، وتتماشى مع التطورات السياسية والاجتماعية الثقافية التي يعيشها المجتمع الإماراتي. وهنا لا أريد إلقاء ألوم على عبدالغفار عندما يشعر بعدم جدوى هذا المجلس، فهو من الذين عايشوا المجلس منذ بداياته القوية. لكن أليس غريباً بعد قيام الاتحاد ، وتوحيد القضاء و القوات المسلحة والجمارك، وتقوية المؤسسات الاتحادية، ووضع دستور دائم، وبعد أن صارت لدينا تجربة برلمانية... أن نأتي ونطالب بالتراجع عن كل ذلك ونتناسى الجهد الكبير الذي بذل من أجل تحقيقه؟ ثم أليس غريبا كذلك أنه بدلا من المطالبة بتطوير عمل المجلس وزيادة صلاحياته في الرقابة والمحاسبة والتشريع وتطوير آليات اختيار الأعضاء، نأتي ونطالب بإلغائه؟! هناك أجيال تشبثت بالإنجازات والطموحات التاريخية. وكلمة صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة في حفل تكريمه بجائزة الشخصية الثقافية لعام 2010 عن جائزة الشيخ زايد للكتاب، يجب أن تحفر في الصخر وتكتب بالذهب ليقرأها الجميع ويحفظوها عندما قال متكلما عن الشيخ زايد رحمه الله: "تمر بنا الأيام، نحفظ كثيرا ونضيع كثيرا، ونحن من تربى على يدي زايد، ونحن من شرب من مشارب زايد... ومن على هذا المنبر أدعو جميع الحاضرين في هذه الصالة، والذين يشاهدوننا من خلال التلفاز... أيتها الأم... أيها الأب... أمسك القلم واجعل أبناءك حولك، وسطّر... هذا ما كان يحبه زايد، وهذا ما كان لا يحبه زايد، ونجمع تلك الأوراق، ونضعها في الصدور، ونضعها في مقدمة الدستور، وبهذا الوفاء نكون قد أوفينا زايد حقه". وأنا استمع إلى الشيخ سلطان في الحفل وهو يلقي كلمته الارتجالية عن الشيخ زايد رحمه الله، شعرت وكأن الشيخ زايد توفي بالأمس وليس منذ خمس سنوات. فهل كان يحب الشيخ زايد رحمه الله أن تكون لدينا مجالس محلية فقط؟ والحقيقة أن أسهل حل لإنهاء مشكلة هو التخلص منها، وهذا ما لا يحتاج إلى عبقرية. وإنما موجهة التحديات هي التي تحتاج إلى العبقرية. تربطني بالمجلس الوطني الاتحادي علاقة خاصة جدا فقد كنت لسنوات محررا أقوم بتغطية جلساته والتعليق على نقاشاته... وأكاد أجزم أن المجلس الوطني الاتحادي هو من الأماكن التي "يشم" فيها المواطن رائحة الوطن ويرى روح دولة الاتحاد. ورغم أن بعض أعضاء المجلس يكتفون بقبول الجلوس على مقاعد البرلمان كمتفرجين وكضيوف شرف، إلا أننا نتمسك به، لأننا على يقين بأنه سيأتي يوم يجلس على تلك المقاعد وتحت تلك القبة الزرقاء رجال يهتمون بالأعمال الوطنية والمواقف الإنسانية التي تجعل من المجلس كيانا ذا قيمة لدى الوطن والمواطن. الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أننا بحاجة للمجلس الوطني الاتحادي، ويجب أن نعزز دوره. وكما أن المجلس بحاجة إلى إجراء تعديلات على قانونه ولائحته الداخلية وبنود الدستور التي تحد من دوره. وعندما نحدد موعد الانتخابات المقلبة يجب أن نفكر في زيادة أعضاء المجلس بل ومضاعفته، فأربعون عضواً قد يكونون ممثلين جيدين لعدد المواطنين في سبعينيات القرن الماضي، أما اليوم فواضح أن هذا العدد يحتاج الى زيادة كمية ونوعية. وأخيراً... ما بال بعضنا مهووسين بإرضاء الآخرين؟! لو كان آباؤنا بهذه النفسية لحظة انسحاب بريطانيا من المنطقة، لكنا اليوم في حالة يرثى لها... فلماذا لا يريد البعض أن يقتنع أن الحقيقة في هذا البلد هي الاتحاد وأنه بدونه ما كانت لتتحقق أشياء كثيرة. وهذا ما عرفه الشيخ زايد رحمه الله ببصيرته الفذة في ذلك اليوم الذي سعى فيه لتكوين الاتحاد. فقد كان رحمه الله حكيم زمانه ورأى ما لا نستطيع أن نراه نحن حتى اليوم، رغم أننا متعلمون ونمتلك المال والتكنولوجيا والخبراء. فلنتمسك بالمقولة الشهيرة التي أطلقها الشيخ سلطان القاسمي منذ أيام: "لنفعل ما أحبه زايد ولا نفعل ما لم يحبه زايد"، وبذلك سنبقى بخير وتبقى الإمارات بخير، وسنحمد الله على 40 سنة من الإنجازات محددة وسنعمل لأربعين سنة قادمة من أجل بلد عظيم كما حلم به زايد رحمه الله... ورحمنا من بعض أفكار بعضنا!