خلال الآونة الأخيرة، قررت اليابان المضي قدماً في توسيع محطة للطاقة النووية رغم قلق الجمهور ومعارضة النشطاء. ذلك أن البلد، الذي يفتقر إلى الموارد الطبيعية، لطالما حلم بتقليص اعتماده على الوقود الأحفوري عبر الطاقة النووية. واليوم، تقدم اليابان الطاقة النووية باعتبارها مهمة وأساسية بالنسبة للجهود التي تبذل للحد من ارتفاع حرارة الأرض، ولكنها حجة يرفضها النشطاء. ويعكس النقاش الدائر في اليابان نقاشات مماثلة على صعيد العالم، حيث تشير الحكومات إلى الطاقة النووية باعتبارها طريقة أسهل لخفض انبعاثات الكربون مقارنة مع طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية. فعلى سبيل المثال، أعلن الرئيس الأميركي في السادس عشر من فبراير الماضي عن 8.3 مليار دولار من ضمانات القروض لبناء أول المفاعلات النووية في الولايات المتحدة منذ 30 عاما - الأول ضمن مفاعلات كثيرة، مثلما وعد. وقد تعهد رئيس الوزراء الياباني يوكيو هاتوياما بخفض انبعاثات غازات الكربون التي تنتجها اليابان إلى 75 في المئة من مستويات 1990 بحلول 2020، في حال حددت اقتصاديات كبيرة أخرى أهدافا مماثلة. كما وعدت حكومتُه مؤخرا بمخطط لتخصيص قروض بأسعار فائدة منخفضة لبناء المفاعلات النووية. وفي هذا الإطار، يقول "شونسوكي كوندو"، رئيس لجنة الطاقة الذرية اليابانية: "إذا كنت تريد القيام بهذا الخفض الذي يبلغ 25 في المئة، فمما لا شك فيه أننا في حاجة إلى محطات نووية". غير أن الجمهور لا يبدو مقتنعاً بالكامل. فحسب الاستطلاع الذي أجرته الحكومة اليابانية نفسها في نوفمبر الماضي، فإن 54 في المئة يقولون إنهم يشعرون بالقلق إزاء الطاقة النووية، على أن مبعث القلق الأول هو إمكانية وقوع حادث نووي؛ هذا في حين يقول 42 في المئة إنهم يشعرون بـ"الأمان" إزاء الطاقة النووية. ويعتبر النشطاء برنامج اليابان النووي خطيراً وباهظاً وغير عملي؛ ومن بين بواعث القلق الرئيسية الطبيعة الجيولوجية لليابان المعرضة للزلازل، والتي يشيرون إليها أثناء حديثهم عن إمكانية وقوع حادث نووي كارثي (على غرار تشرنوبل) بسبب الزلازل. والحقيقة أنه في يوم السبت فقط، ضرب زلزال بقوة 6.9 على مقياس ريختر، الساحل الجنوبي لليابان، حيث هز أوكيناوا والجزر المجاورة، وتسبب في انفجار أنابيب المياه. خلال الأشهر الأخيرة، صب النشطاء غضبهم على إدخال الحكومة لوقود "البلوثيرمل" في المحطات النووية. ويحيل هذا الاسم إلى استعمال وقود مختلط من اليورانيوم والبلوتونيوم يعرف باسم " الموكس" MOX. وتروج الحكومة لـ"البلوثيرمل" كطريقة لإعادة استعمال الوقود المستنفد، قائلة إنه أكثر فعالية وينتج نفايات مشعة من مستوى أقل مقارنة مع المفاعلات العادية. وقد قامت بإدخال وقود "الموكس" لأول مرة في محطة نووية العام الماضي، وهو ما أثار أسابيع من الاحتجاجات التي نظمها النشطاء. ومن المقرر أن تستعمل محطة ثانية، في إيكاتا- بالقرب من مدينة ماتسوياما الساحلية- وقودَ "الموكس" الشهر الجاري؛ لكن ماكوتو كوندو، الذي يعارض بشدة مفاعل إيكاتا يقول: "إن وقود الموكس" أكثر خطورة بمرات كثيرة من وقود اليورانيوم، ذلك أنه في حال حدوث انفجارات أو حوادث، فإن أضرارا مدمرة أكثر بكثير ستحدث مع مفاعلات البلوثيرمل". ويعترف المسؤولون بأنه يتعين عليهم أن يبذلوا جهوداً أكبر للفوز بثقة الجمهور، ولكنهم يؤكدون أن المفاعلات النووية آمنة. وإذا كانت اليابان تحصل على حوالي ثلث طاقتها النووية من نحو 54 محطة نووية، فإنها تأمل اليوم في بناء ثماني محطات جديدة بحلول 2018، وزيادة قدرة محطاتها الحالية، وتطوير مزيد من المحطات وتحويلها إلى محطات "بلوثيرمل". ويقول كوندو من "وكالة الطاقة الذرية" ومسؤولون آخرون إن استعمال وقود "الموكس" يسمح لليابان بإعادة تدوير مصادر طاقتها. ويذكر هنا أن اليابان ترسل حالياً الوقود المستنفد إلى أوروبا، حيث تتم إعادة معالجته وتحويله إلى وقود "الموكس"، قبل أن يعاد إلى اليابان. ويقول كوندو: "إن السبب البسيط لاستعمال البلوتونيوم، هو أننا نريد استعمال مواردنا على أفضل نحو ممكن"، موضحاً أن وقود "الموكس" يستعمل بشكل آمن في أوروبا منذ سنوات. ويضيف "كوندو" قائلاً إن المحطات النووية اليابانية بنيت لتتحمل وتصمد في وجه كل الزلازل، إلا ذلك النوع الذي "يحدث مرة كل 10 آلاف سنة". ولكنه يعترف أنه منذ أن بدأت اليابان تشغيل أول مفاعلاتها في الستينيات، وقعت ثلاثة زلازل، وأسفرت عن اهتزازات فاقت قوتها ما كان يتوقعه المهندسون. وحسب وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة، فإن قرابة ثلث أهداف اليابان المتعلقة بخفض غازات الكربون بحلول 2020 سيأتي من الطاقة النووية، مما سيجعل منها أكبر مصدر لخفض انبعاثات الكربون بعد ترشيد استهلاك الطاقة (60 في المئة). وبالمقابل، تتوقع الحكومة أن تسفر الطاقات المتجددة عن تخفيض انبعاثات الكربون بمقدار 6 في المئة. ويقول "كاتسويوكي تادا"، وهو نائب مدير في الوزارة "إن الطاقة النووية واحد من المصادر الرئيسية لتحقيق هدف هاتوياما". ولكن المنتقدين يقولون إنها مكلفة وخطيرة، في إشارة إلى تهديد الإرهاب والانتشار النووي. ذلك أن وقود "الموكس" مادة منظَّمة ومراقَبة بشدة نظراً لإمكانية استعمالها لصنع "قنبلة قذرة"؛ ولذلك، فهي تنقل على متن سفن مسلحة ومصممة وفق مواصفات خاصة، تحرسها عناصر أمنية مدربة. ولكن ومثلما يعترف بذلك النشطاء أنفسهم، فإن كل هذه التخوفات لا يُرجح أن تصرف الحكومة عن مشاريعها. جوناثان آدامس كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور