لعل يومياتها الصعبة ومعاناتها المريرة في سبيل تحصيل ماء الشرب لأفراد عائلتها ستجعل المشاهد يفترض خطأ أنها تعيش بعيداً عن ضفتي دجلة والفرات، بما استدعى منها استجداء البئر شبه الناضبة هنا في شمال بغداد، ثم حمل كل هذه الأوعية البالية، في طريق العودة الثقيل إلى البيت. وكأن شاعر العراق الكبير بدر شاكر السياب، في إحدى أشهر قصائده، وصف بدقة واقع حالها العصيب: "حيران تصطفق الرياح بجانبيه، وقبضتاه.. تتراوحان: فللرداء يد وللعبء الثقيل يد.. كالغيمة اعتصرت قواها في القفار، وترتجيها عبر التلال قوى تجوع.. عيش أشقّ من المنيّة، وطوى يعب من الدماء". أما الرسالة الموجهة هنا للفائز في انتخابات يوم الأحد الماضي، كائناً من كان، فهي أن الرفع من مستوى المعيشة، والعمل على توفير كافة الخدمات الأساسية، وفتح نوافذ الفرص والأمل، هي وحدها ما ينبغي أن يكون على رأس الأولويات وخريطة طريق إلى المستقبل. وفي الانتظار المنهك تقرأ السيدة البغدادية الآن في "فناجين" الوقت اشراقة فجر العراق الآتي وصعوده مجدداً، ولسان الحال يخاطبها، نيابة عن السياب: "كالقمح لونك يا ابنة العرب.. كالفجر بين عرائش العنب.. أو كالفرات، على ملامحه.. دعة الثرى وضراوة الذهب.. عربية أنا: أمتي دمها.. خير الدماء... كما يقول أبي".