أصبح "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية" من أهم مراكز البحوث والدراسات في منطقة الشرق الأوسط والعالم، ليس لاعتباره مؤسسة علمية وأكاديمية رصينة فحسب، بل لطبيعة الدور التنويريّ الذي يقوم به أيضاً، من خلال الأنشطة المتعددة التي يقوم بها، وتستهدف في الأساس نشر المعرفة والوعي، سواء عبر إصداراته المتميّزة من الكتب والدراسات المحكّمة الجادّة التي تعالج القضايا المختلفة لمجتمع دولة الإمارات خاصة ودول الخليج والعالم العربي عامة، أو من خلال تنظيم المؤتمرات والندوات والحلقات الدراسية والمحاضرات التي يتم من خلالها مناقشة القضايا الملحّة في الفروع المختلفة، وبحث تطبيقاتها العملية، وبما يخدم عمليتي التنمية والنهضة الشاملة في دولة الإمارات. ومنذ تأسيس المركز قبل نحو ستة عشر عاماً، في الرابع عشر من مارس عام 1994، وهو يأخذ على عاتقه خدمة القضايا التي تهمّ المجتمع الإماراتي، واستطاع أن يكون منبراً فكرياً خلاّقاً لتقديم إسهامات فكرية وبحثية توظّف لمصلحة عملية التنمية الشاملة التي تعيشها دولتنا في عهد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله. كما يهتمّ المركز كذلك بدراسة الموضوعات التي ترتبط بقضايا التنمية والتطور في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فالمؤتمر السنوي للطاقة الذي ينعقد كل عام يركّز على أحد أبعاد قضية الطاقة، ويسلّط الضوء عليها عبر نخبة من الخبراء والمتخصصين في هذا المجال. وقد ناقش المؤتمر الأخير، الذي انعقد في شهر نوفمبر الماضي، قضية أمن الطاقة، والتحديات التي تواجهها، وتأثير ذلك كله في سياسات الطاقة بوجه عام، وطرح السيناريوهات المستقبلية لهذه القضية الحساسة، بالشكل الذي يخدم معه صانعي القرار في دول الخليج في وضع السياسات والاستراتيجيات الملائمة لتحقيق أمن الطاقة في المستقبل المنظور. وفي المؤتمر السنوي الخامس عشر للمركز الذي انعقد في شهر فبراير الماضي، تناول قضية بالغة الأهمية وهي العلاقة بين "مخرجات التعليم وسوق العمل في دول مجلس التعاون" من أبعادها المختلفة، بداية من المأزق الراهن لمخرجات التعليم ومروراً باقتراح خريطة طريق للتعليم الذي يحقق متطلبات سوق العمل في دول المجلس، وتحليل أوضاع سوق العمل في منطقة الخليج العربي والتحديات التي تواجهه، وقضية العولمة والتعليم في سوق العمل، وأخيراً اقتراح الإطار الذي يمكن أن يوائم بين مخرجات التعليم وسوق العمل في هذه الدول. الدور الذي يضطلع به المركز لم يتوقف عند هذا الحدّ، بل وضع نصب عينيه منذ إنشائه حقيقة مهمة، هي ضرورة إعداد الكوادر البحثية المواطنة وتدريبها، وذلك لإيجاد جيل جديد من الباحثين المواطنين وكذلك الباحثات المواطنات، وذلك عن طريق توفير البعثات والمنح الدراسية والبحثية لهم وتبنّي دراساتهم وأنشطتهم العلمية، وتنظيم دورات تدريبية للعاملين في الأجهزة والمؤسسات الحكومية تتعلّق بأنشطتهم المهنية واهتماماتهم العلمية وتنظيم دورات تدريبية متخصصة لتدريب باحثي المركز من المواطنين والمواطنات وتطوير خبراتهم العلمية ومهاراتهم العملية في مجال إعداد الدراسات والبحوث. إن "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية" الذي احتفل قبل يومين بالذكرى السادسة عشرة لتأسيسه، أنجز الكثير مما يطمح إليه، سواء على صعيد دوره التنويريّ أو التنمويّ أو المجتمعيّ، وهو يواصل مسيرته طامحاً إلى تحقيق المزيد من الإسهامات على درب مستقبل واعد ننشده جميعاً.