موسم التوترات مع حلفاء أميركا
يجب أن ينظر إلى التوتر الحالي بين أوباما وإسرائيل، في سياق دولي أوسع، فالرئيس الأميركي الذي خاض سباقه الانتخابي على أساس مناهضة الأحادية في عام 2008، انتهى به الحال إلى أن تسوء علاقاته بحلفاء أميركا، أكثر مما كان عليه الحال في ولاية بوش الثانية. وعلى الإسرائيليين ألا يشعروا بأنهم عزلوا وعوملوا معاملة استثنائية في التوتر القائم بينهم وأوباما، ففي بريطانيا يكثر الحديث في الآونة الأخيرة عن نهاية العلاقة الخاصة بين بريطانيا وواشنطن، بينما يقول البعض إن أوباما لا يأبه كثيراً للبريطانيين، على رغم التضحيات المستمرة التي يقدمونها إلى اليوم في أفغانستان. وفي فرنسا، انتقد ساركوزي نظيره الأميركي علناً منذ عدة شهور، بينما تزايدت مخاوف قادة دول شرق ووسط أوروبا، منذ أن ألغت إدارة أوباما خطة إنشاء الدرع الصاروخية في بولندا وجمهورية التشيك، وهي الخطة التي استغرق العمل عليها بضع سنوات. ويسود في هذه الدول شعور بأن واشنطن لم تعد يعتمد عليها في توفير الضمان الأمني اللازم لدول المنطقة.
وفي الوقت نفسه يدور خلاف بين كبار قادة الاتحاد الأوروبي حيث ينتقد بعضهم واشنطن ويتهمها بأنها لم يعد لها وقت للاستماع أو الاهتمام برئيس الاتحاد الأوروبي الجديد، "هيرمان فان رومبي"، الذي انتخبه الاتحاد مؤخراً، بصفته ممثلاً لأوروبا ما بعد معاهدة لشبونة على رغم عدم جاذبيته. ويمكن القول إن الأوروبيين جميعاً، يشعرون الآن بعدم إعجاب أوباما بهم، على رغم أن الكثيرين منهم لا يزالون على إعجابهم به.
أما الآسيويون فهم لم يتحققوا من طبيعة مشاعرهم بعد إزاء الإدارة الجديدة، ولكن لا تزال العلاقات متوترة بين واشنطن وطوكيو، بسبب سياسات الحكومة اليابانية الجديدة ودعوتها إلى إعادة تقييم العلاقات بينها وواشنطن. لكن السبب الأكثر أهمية هو شعور اليابانيين بأن واشنطن لم يعد ممكناً التعويل عليها في توفير الأمن لهم على المدى البعيد. وفي نيودلهي يسود القلق الآن من أن تتراجع إدارة أوباما الجديدة من الشراكة الاستراتيجية التي أقامتها معها إدارة بوش، لمصلحة تحسين العلاقات بين واشنطن وبكين. وعلى رغم وعد الإدارة الجديدة بالعودة تارة أخرى إلى القارة الآسيوية -بعد مزاعم من إهمال إدارة بوش السابقة لآسيا- فإنها لم تقنع الحلفاء الآسيويين بعد بأنهم موضع اهتمامها وأولويتها.
ولدى مسؤولي واشنطن الحاليين إجابات جاهزة تقريباً عن أي من الأسئلة التي تطرح في هذا الشأن. منها سوء الفهم مثلاً، أو نتيجة أخطاء ثانوية حدثت خلال الممارسة والتنفيذ. لكن وبعد أن مضى من الوقت ما يكفي على تسلم الإدارة الجديدة لمسؤولياتها الرئاسية، فقد حان لها أن تقّيم أداءها ذاتياً وأن تتساءل: لم يسود القلق بين كثير من حلفائنا اليوم على علاقات بلادهم بنا؟
ولكن ما الغريب في هذا الأمر؟ ومن لفت انتباه إدارة أوباما الجديدة أصلاً؟ الإجابة الأكيدة على السؤال: ليس هم حلفاء واشنطن بأية حال، بل ربما منافسو أميركا هم الذين لفتوا انتباه الإدارة الجديدة أكثر من غيرهم، ثم خصومها في بعض الأحيان. وإن كان ثمة مقياس يمكن أن يقاس به تركيز جهود الإدارة في مجال سياساتها الخارجية، فإن علينا أن تلك الجهود قد سلطت على أربعة مجالات رئيسية عدا عن الحرب الأفغانية: المحاولات الأولى الفاشلة لتحسين العلاقات بين واشنطن وإيران، ثم المحاولات الجارية لتحسين العلاقات بين واشنطن وروسيا، يليها تعثر المحاولات حتى الآن لتعزيز التعاون مع الصين، وأخيراً تعثر محاولات واشنطن الراهنة لإقناع العرب بعزم أميركا على الضغط على إسرائيل بغية الدفع بعملية السلام قدماً. يضاف إلى ذلك كله، الجهود المبذولة من أجل تحسين العلاقات مع سوريا، والتعامل الدبلوماسي مع بورما، والدفع باستراتيجية جديدة خاصة بأفغانستان وباكستان. وفي المقابل، فليس ثمة هامش اهتمام لواشنطن فيما يتعلق بحلفائها.
وفي هذا الإهمال للحلفاء من السوء ما يكفي. لكن الأكثر سوءا هو نفاد صبر واشنطن وضيقها من الحلفاء الذين يعصون أوامرها ويتمردون عليها. فقد انتقدت واشنطن الأوروبيين بسبب رفضهم زيادة التزاماتهم المالية إزاء عمليات "الناتو"، على رغم استمرار مساهمتهم بـ30 ألف جندي في حرب تدور معاركها في بلدان بعيدة جداً عنهم، ولا يؤيد استمرارها غالبية المواطنين الأوروبيين. وبالمثل وجهت الانتقادات إلى طوكيو بسبب اعتزام قيادتها الجديدة المنتخبة، إعادة النظر في بعض الاتفاقات المبرمة بين طوكيو وواشنطن في السابق. بالطبع فإن لإدارة أوباما مبرراتها لهذه الانتقادات، غير أن الملاحظ هو سهولة طرقها على رؤوس الحلفاء، أكثر من طرقها على رؤوس المنافسين من أمثال روسيا والصين.
فقد أبدى أوباما صبراً لا حدود له مع روسيا في إعاقتها لإبرام صفقة بشأن التحكم بالأسلحة، كان ممكناً إبرامها منذ شهر ديسمبر الماضي. كما ابتلع أوباما عاماً كاملاً من الإساءات والرفض الإيرانيين للتفاوض مع إدارته، قبل أن يسرع مؤخراً نحو فرض العقوبات عليها. وفي المقابل، نراه يوشك على قطع علاقاته مع إسرائيل بسبب توتر هامشي نشأ بينهما بسبب المستوطنات الأخيرة التي أعلنت عنها تل أبيب، على رغم الاعتذار العلني الذي قدمه رئيس وزراء إسرائيل عما حدث!
ولعل هذا هو الابتكار الجديد الذي أتت به هذه الإدارة في مجال السياسات الخارجية الأميركية. فبينما يبدي أوباما عزماً على مواصلة سياساته المتعلقة بأفغانستان والعراق ومكافحة الإرهاب، ويحقق نجاحاً في استقطاب الدعم الثنائي الحزبي لهذه السياسات، نراه ينأى بإدارته عن استراتيجية 60 عاماً من العلاقات الثابتة مع الحلفاء. وكانت الفكرة التي أرسى عليها "أفريل هاريمان" تلك الاستراتيجية في عام 1947، هي خلق نوع من توازن القوى الدولية، يميل لصالح العالم الديمقراطي الحر. واليوم وبينما يتحدث أوباما بلسان معسول عن "التعددية الدولية"، فإننا نراه أكثر ميلاً لاحتمال الأنظمة الأوتوقراطية المنافسة للعالم الديمقراطي الحر، بينما لا يبذل جهداً يذكر في تعزيز علاقاتها بالحلفاء.
-------
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"