يستمر الحديث عن "الهوة بين الأجيال" كأحد الموضوعات المتكررة في مجال التحليل السياسي والاجتماعي بالولايات المتحدة الأميركية، كما أن الفكرة السائدة على نطاق واسع بين علماء الاجتماع هي أن الظروف والتجارب الخاصة التي يعيشها جيل بعينه تساهم في تشكيل رؤيته للعالم وصياغة قيمه، والتي تبدو صحيحة إلى حد بعيد، تنطوي أيضاً على عامل مشجع في وقت باتت فيه الأنماط المتشابهة التي تفرضها العولمة مثيرة للمخاوف. فيكفي الادعاء بوجود جيل واحد تجمع بينه العديد من القواسم المشتركة في ظل طغيان ثقافة السوق، ليشعر الإنسان بوجود هوية جامعة بين جيل كامل من المواطنين حتى لو كان يضم ملايين البشر. وللتدليل على استمرار الحديث عن الهوة بين الأجيال وجاذبيته في الولايات المتحدة، كشف استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "جالوب" أنه في عام 1969 أكد 74 في المئة من الأميركيين وجود هوة بين الأجيال، ولم تتغير تلك النسبة اليوم حيث أشار استطلاع للرأي أجري مؤخراً إلى أن 79 في المئة مازالوا يؤمنون بالهوة بين الأجيال. لكن بين الأمس واليوم تغيرت العديد من الأمور، ففي الستينيات كان الجيل السائد هو ذلك الذي تلا الحرب العالمية الثانية والذين تتراوح أعمارهم اليوم بين 46 و64 سنة، وفي المقابل كان الجيل الأقدم هو الذي ولد أبناؤه قبل الحرب العالمية الثانية وخلال فترة الكساد العظيم التي تركت ندوباً قاسية في ذاكرتهم. أما اليوم فالجيل الحالي هم من تقل أعمارهم عن 29 سنة، بالإضافة إلى من تنحصر أعمارهم بين 30 و45 عاماً، مقابل الجيل الأقدم الذي يتنافس معه ممن تعدى أعضاؤه 65 عاماً. ومع أنه يصعب وضع حدود دقيقة بين الأجيال، أو حصرها في قوالب جامدة بالنظر إلى متغيرات أخرى تلعب دوراً بارزاً في بلورة تصوراتها، مثل العرق والدين وغيرهما، فإن تمايزات الأجيال تساعد في فهم مدى التغير الذي شهده المجتمع الأميركي، وفي نفس الوقت رصد معالم الاستمرار بين مختلف الأجيال، لذا لابد لكي نعرف التحولات بين الأجيال النظر إلى الدراسة التي قام بها مركز "بيو" للأبحاث وشملت خمسين مليونا من الجيل الذي يزيد عمره عن 18 سنة، حيث كشفت الدراسة بعض المعطيات المعروفة والأخرى المفاجئة. وحسب فإن خُمسي جيل ما فوق 18 سنة لديهم وشم في أجسامهم بزيادة تصل الثلث تقريباً مقارنة بمن هم أكبر من 30 سنة. وبالطبع ليس غريباً أن يكون الجيل الأصغر هو الأكثر استخداماً للتكنولوجيا الرقمية، فقد أنشأ ثُلثا هذا الجيل صفحات شخصية على موقع "فيس بوك" وباقي المواقع الاجتماعية الأخرى، فيما لم تتعدَ نسبة استخدام التكنولوجيا الحديثة بين الجيل الأقدم 30 في المئة، كما أن خمس جيل ما بين 18 و29 سنة حملوا أشرطة فيديو خاصة بهم على الإنترنت، فيما لم يقم بذلك سوى 6 في المئة ممن هم فوق 30 سنة و2 في المئة ممن تجاوزوا 45 عاما. لكن من جهة أخرى تبرز اتجاهات عامة باتت مميزة للمجتمع الأميركي ككل ولا تخص جيلا بعينه، مثل الخدمة العسكرية الإجبارية التي أوقفت منذ السبعينيات، وهو ما أثر على الأفراد الذين شاركوا في الحروب داخل كل جيل أميركي. ففيما لم تتراوح نسبة المشاركين في الحروب بين الجيل الصغير الذي لا يتعدى 29 سنة 2 في المئة، وصلت تلك النسبة 13 و24 في المئة لدى الأجيال الأكبر سناً. واللافت حقاً هو استمرار بعض القيم على مدى الأجيال دون تغير كبير، فعندما استفسرت دراسة "بيو" عن أهمية الزواج الناجح، أكد أكثر من أربعة أخماس الشرائح المستجوبة من جميع الأعمار والأجيال على أهميته، وهو الإجماع ذاته الذي يظهر في مسألة امتلاك البيت، حيث شدد ثلاثة أرباع المستجوبين من جميع الأعمار على أهميته، والأمر نفسه ينطبق على الإيمان بالله الذي يظل منتشراً على نطاف واسع في المجتمع الأميركي بنسبة تصل 64 في المئة لدى الجيل الأقل من 29 سنة بينما يصل 73 في المئة لدى من يتجاوزون 30 سنة. وإذا كانت بعض الصور النمطية قد ترسخت في أذهان الناس عن جيل من الأجيال؛ مثل النزوع إلى الاعتقاد بأن جيل الستينيات كان مهوساً بالجنس والمخدرات والتمرد على تقاليد المجتمع، فإن الجيل الحالي يظل أكثر ارتباطاً بالأزمة الاقتصادية والصعوبات المتصلة بها. فحسب دراسة "بيو" يعاني خُمسا جيل ما بين 18 و29 سنة، أي ما يشكل 37 في المئة من مجموع السكان، من البطالة، كما أن 41 في المئة فقط منهم يعملون بدوام كامل، هذا بالإضافة إلى تضررهم أكثر من غيرهم بسبب فقدان الوظائف. والأكثر من ذلك أن تداعيات الأزمة التي يعانيها الجيل الحالي قد تستمر لفترة طويلة، وهو ما أشارت إليه دراسة أعدتها الخبيرة الاقتصادية، ليزا كان، من جامعة "ييل" عندما كشفت أن خريجي الجامعات الجدد الذين يدخلون سوق العمل ويتلقون رواتب متدنية بسبب البطالة المستشرية، قد يستمر وضعهم كذلك لعقدين من الزمن، إضافة إلى الأعباء التي سيكون عليهم تحملها بسبب تقاعد أعداد متزايدة من أبناء الأجيال السابقة واحتمالات فرض الضرائب نتيجة الأزمة الاقتصادية، والحاجة إلى تمويل برنامج الإنقاذ الحكومي. روبرت سامويلسون كاتب أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"