أوباما يواجه مناورات نتنياهو "الالتفافية"... واستحقاقات معركة "اليوان" التجارية! صراع الإرادات الراهن بين أوباما ونتنياهو، والمواجهة التجارية بين واشنطن وبكين حول سعر "اليوان"، والرؤية البريطانية لأي حوار ممكن مع "طالبان"، موضوعات ثلاثة استقطبت اهتمام بعض كُتاب افتتاحيات وصفحات رأي الصحف الفرنسية. تجاذب أوباما ونتنياهو الكاتب بيير روسلين رصد في افتتاحية صحيفة لوفيغارو بعض مظاهر وخلفيات التجاذب الراهن بين أوباما ونتنياهو مشيراً إلى أن كل واحد منهما يسعى لاحتواء مطالب الآخر ومواقفه بطريقته الخاصة. فحين طلبت الوزيرة كلينتون وقفاً فورياً لتنفيذ القرار الاستفزازي الإسرائيلي الأخير القاضي ببناء 1600 مسكن في القدس الشرقية، ماطل نتنياهو في الرد أولاً، ليلمح قبل يومين فقط إلى أنه على استعداد للتعهد بألا يبدأ العمل في البناء في موعد قريب، داعياً الطرف الأميركي إلى تسوية الاختلاف في الرأي حول هذه المسألة، بطريقة سرية. ويرى روسلين أن الانطباع العام السائد حول هذه المسألة، بعيداً عن مناورات الخطابة والسياسة، هو أن نتنياهو لا يستطيع عملياً إلغاء قرار البناء الاستيطاني المذكور في حي "رامات شلومو" داخل حدود 1967، دون أن يجازف بإغاظة حزب "شاس" اليميني المتطرف، الذي يشارك في ائتلافه الحكومي الحزبي الهش. وهذا ما دفعه لتقديم عرض بديل عن الإلغاء، يشكل عملياً مناورة التفافية ماكرة، على الطلب الأميركي. ولكن السؤال هنا هو: هل سيقبل أوباما هذا العرض على رغم انكشاف ما فيه من مناورة، ويكتفي به وحده؟ يتساءل الكاتب، مرجحاً قبول سيد البيت الأبيض لهذا الأمر الواقع ولو مؤقتاً، في انتظار تصويت مجلس النواب الأميركي، اليوم الأحد، على مشروع إصلاح نظام الرعاية الصحية، المثير للجدل. وبعد ذلك ربما سيكون لكل حادث حديث، وأقله مواصلة الضغط، وخاصة أن بيان الرباعية الدولية، أول من أمس، نص بكل وضوح على وجوب وقف الاستيطان، وعبر عن تأييد قوي لموقف عباس. وإذا استمر أوباما في الضغط على نتنياهو، ورفض بشكل قاطع عروضه الالتفافية، فمعنى ذلك واضح، يقول الكاتب، وهو أنه يريد التعجيل بانهيار الائتلاف الحاكم في تل أبيب. وفي افتتاحية أخرى كتبها لوران مارشان في "ويست فرانس" ركز على دور اللوبي الموالي لإسرائيل في واشنطن الذي دخل على الخط بقوة، منذ يومين، ليصبح طرفاً في صراع الإرادات الراهن يريد تعزيز مواقف نتنياهو ضد أوباما، الذي تساءل الكاتب إن كانت لديه عملياً الوسائل المناسبة للصمود في وجه ضغوط هذا اللوبي النافذ والمتمرس وذي القنوات المتشعبة في دهاليز واشنطن؟ وحتى لو قرر مواصلة الانخراط في معركة كهذه، فمن أجل أي هدف، في النهاية؟ هنا يؤكد مارشان أن ما يمكن تسجيله الآن بوضوح هو صرخات اللغة الانتصارية التي بدأ "صقور" حكومة نتنياهو يرددونها، وهم يتخبطون في ولائهم الأعمى لعتاة متطرفي الاستيطان، ووسط جهلهم المطبق بما يمكن أن تستفيده القوى الأكثر تطرفاً على الجانب الآخر، من كل حالة تصعيد أو توتير جديدة في المنطقة. أزمة "اليوان" والدولار في ضوء الأزمة التجارية المتصاعدة بين واشنطن وبكين على خلفية مطالبات الأولى المتكررة للثانية بإعادة تقييم عملتها "اليوان"، توقعت افتتاحية لصحيفة لوموند أن يكون القرن الحادي والعشرون قرناً للمعارك التجارية الكبرى، حيث يتوقع أن يصبح هذا النوع من المواجهات هو الصفة الغالبة، من الآن فصاعداً، على علاقات القوى الاقتصادية الدولية الكبرى مثل أميركا، والصين، والاتحاد الأوروبي، والبرازيل وبقية دول أميركا اللاتينية. وفي هذا المقام، لاشك أن معركة "اليوان" الحالية تعطي صورة أولية عن خطورة ما يمكن أن يصل إليه هذا المد الصاعد من الصراعات التجارية والاقتصادية الدولية، في المديين القريب والبعيد معاً. ومن المعروف أن أميركا ما فتئت توجه تهماً متواصلة للصين بممارسة نوع من التوجيه المتعمد لجعل قيمة عملتها الوطنية أقل بكثير من قيمتها الحقيقية مقارنة بالدولار، لما في ذلك من ميزات تجارية كبيرة، تدعم تنافسية السلع الصينية في أميركا، وفي بقية العالم. ومن المعروف أيضاً أن الأوروبيين يشاطرون الأميركيين توجيه هذه التهمة لبكين كذلك. ومنذ سنة 2008 ثبتت الصين قيمة "اليوان" حوالي 6.83 دولار، وهو ما يجعل الصادرات الصينية تتمتع بقدرة استثنائية على التنافسية في السوق الأميركية. وفي المقابل تحمي هذه القيمة المخفضة الأسواق الصينية من زحف الصادرات الأميركية إليها. ويتهم المسؤولون الأميركيون بصراحة نظراءهم الصينيين بالتحكم الخفي في حجم المبادلات بين الطرفين، وقد أصبح الحديث حول هذا الموضوع سوقاً رائجة للخطابة في واشنطن، حيث لا يكاد يمر يوم دون أن يدلي أحد مشرعي الكونجرس أو مسؤولي الحكومة وأجهزتها التنفيذية بأن على بكين إعادة تقييم "اليوان". بل إن 130 مشرعاً أميركياً، من الحزبين "الديمقراطي" و"الجمهوري" معاً، وجهوا هذا الأسبوع رسالة تهديد لوزارة الخزانة، داعين إلى فرض نوع من التدابير الكابح على الصادرات الصينية. وهو ما لقي طبعاً استياء واسعاً في الصين، التي انتهز رئيس وزرائها "ون جياباو" هذه الفرصة لكي يعطي الأميركيين درساً في الاقتصاد السياسي، مؤكداً أنهم هم من يتحمل المسؤولية الكاملة عن الأزمة المالية العالمية، وأسوأ من ذلك أنهم لا يعرفون حتى الآن كيف يديرون اقتصادهم للخروج منها. وعلى العكس، تتولى الصين اليوم مهمة الرافعة التي تنتشل شيئاً فشيئاً اقتصاد العالم من هاوية الأزمة. وأما العجز في ميزان المبادلات التجارية بين الصين وأميركا فمرده إلى العولمة، ولن يستمر طويلاً، على كل حال. ثم إن 60 في المئة من الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة تعود إلى شركات أجنبية متمركزة في الصين. وفوق هذا فإن الصين هي من يمول الدَّين العام الأميركي، بشرائها لسندات الخزينة. والحاصل من كلام رئيس الوزراء الصيني: أنه لا يوجد مبرر لإعادة تقييم "اليوان". وتذهب لوموند إلى أن كلام "جياباو" فيه الكثير من العناصر الصحيحة، ولكن الإنصاف كان ينبغي أن يملي عليه أيضاً أن يضيف نقطتين أو ثلاثا أخرى أغفلها، في درس الاقتصاد السياسي المجاني هذا. وأولها أن على الصين تغيير أهم ثوابت سياستها التنموية القائمة على اقتصاد التصدير، فقد آن الأوان لأن تعمل وفقاً لنموذج يعطي ذات الاهتمام لسوقها الاستهلاكية الداخلية. أما الكاتب لوران جوفرين فقد انتقد في افتتاحية صحيفة ليبراسيون الطابع التجاري الخالص في علاقات بكين مع العواصم الغربية، وتجاهل الأبعاد السياسية مثل مسائل حقوق الإنسان والديمقراطية، وسواها مما يتوارى عن مجال الاهتمام حين يتعلق الأمر بمصالح الاقتصاد والتجارة، مثنياً، في هذا الشأن بشكل خاص على موقف شركة "جوجل" في نزاعها الأخير مع بلاد التنين الأصفر، حول موضوع حرية النفاذ إلى الإنترنت، بعيداً عن كافة أشكال الرقابة واختراق حق الخصوصية. ميليباند ومفاوضة "طالبان" في صحيفة لوموند حلل مقال للكاتب ألان فراشون أبعاد الموقف البريطاني من ضرورة احتواء بعض عناصر "طالبان" ضمن أية ترتيبات سياسية ممكنة في أفغانستان، على ما عبرت عن ذلك محاضرة ألقاها مؤخراً وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند في إحدى أبرز الجامعات الأميركية، وهي "معهد ماساشوسيتس التكنولوجي" MIT في بوسطن. ففي تضاعيف عرضه، أثناء المحاضرة، لقراءته الخاصة في أفق هذه الحرب التي انخرطت فيها أميركا منذ 9 سنوات دون أن تظهر حتى الآن ملامح نهاية مطمئِنة، قال ميليباند إن من الضروري، بل من الُملح الآن، أن تفتح الحكومة الأفغانية التي يدعمها الغرب، قنوات تفاوض مع "طالبان". على أن يتم ذلك اليوم وليس غداً: "فهذه هي اللحظة المناسبة للأفغان، لكي يبحثوا عن تسوية سياسية"، على حد تعبير الوزير البريطاني الذي استطرد قائلا: "هذا بذات الصرامة التي يتعين علينا بها مواصلة الجهد العسكري، والمدني في مجال إعادة الإعمار". غير أن المشكلة هنا هي تعقيد الموقف الأفغاني حيث إن المتشددين، تقول لوموند، يخوضون هنالك حركة تمرد دون وجود تنسيق مركزي. وثمة من لا ينصاعون لأوامر زعامات التمرد المتعددة، كما أن شهية الحصول على المال تدفع آخرين لمهاجمة القوات الأجنبية. ولكن ما يجمعهم كلهم تقريباً هو الانتماء إلى عرقية البشتون الغالبة. وبحسب ميليباند فإن "الدخول في حوار مع من يستهدفون قواتنا يبدو صعب القبول". ولكن "البلاد لن تعرف أبداً سلاماً دائماً طالما أن النظام السياسي فيها لم يسعَ لإدماج وإشراك المزيد من الأفغان"، والإشارة هنا إلى البشتون خاصة. وتؤكد لوموند أن خلاصات قريبة من هذه هي ما توصل إليه خبراء دوليون في ندوة عقدها موقع فرنسي متخصص في الشؤون الدولية حيث أجمعوا على أن تدخل "الناتو" لا يمكن أن يحقق سوى هدف واحد، لا غير: تعزيز الظروف الأمنية في أفغانستان، لتحفيز الجهد التفاوضي مع "طالبان". وهو ما يطرح سؤالين، تقول الصحيفة، الأول: متى؟ ومفهومٌ هنا أن أجندة المواعيد البريطانية قد لا تتطابق مع الأجندة الأميركية، التي ترى أن إضعاف "طالبان" شرط مسبق لإنجاح أي مسعى تفاوضي. والسؤال الثاني: ما الثمن الذي يمكن دفعه مقابل مفاوضة الحركة المتشددة؟ هنا يتجاوز ميليباند اللغة الخشبية، لكي يبدو مقنِعاً، مؤكداً أن "الحوار مع طرف ما لا يعني بالضرورة الاستسلام لمطالبه، دون قيد أو شرط، أو حتى إعطاءه حق الفيتو". إعداد: حسن ولد المختار