مهما كان حجم الدعم الذي تمكن "جو بايدن" من حشده أثناء حملة أوباما للوصول للبيت الأبيض، فإن مما لا شك فيه أن "بايدن" الذي أصبح الآن نائباً لرئيس الولايات المتحدة، قد فشل في جعل الآخرين ينظرون إليه على أنه يمثل نجما صاعدا من خلال منصبه الرفيع. فقد كان المفروض أن تتحول زيارته إلى إسرائيل في منتصف شهر مارس الحالي، كما قالت "الإيكونوميست"، إلى زيارة تاريخية "تبشر بعهد جديد من التسويات والنوايا الحسنة"، لكن هذا المدافع المتحمس عن إسرائيل أطلق قبيل وصوله إلى تلك الدولة واحداً من تلك التصريحات التي يدلي بها رجال الدولة الأميركيون عادة والتي كثيرا ما يكون مبالغ فيها لحد سخيف، وغير صحيحة تماما، وذلك عندما قال: إن التقدم يحدث في الشرق الأوسط عندما يعرف الجميع أنه ليست هناك مسافة تفصل ما بين الولايات المتحدة وإسرائيل"! وفي غضون تلك الزيارة التي قام بها واحد من أهم الضيوف المنتمين لدولة تمد إسرائيل بالعتاد العسكري والغطاء الدبلوماسي داخل مجلس الأمن الدولي، كان من الغباء المطلق أن يعمد وزير الداخلية الإسرائيلية إلى إعلان أن إسرائيل ستقوم ببناء 1600 منزل للمستوطنين اليهود في الضواحي الملحقة رسميا من القدس الشرقية. ومن المعروف أنه بدون قدس شرقية كعاصمة لفلسطين، لن تكون هناك أبدا دولة فلسطينية. وعقب ذلك الإعلان من جانب وزير الداخلية الإسرائيلي، جاء رد بايدن الذي استبد به الاندهاش والغضب قويا عندما قال: "إنني أدين القرار الذي اتخذته الحكومة الإسرائيلية بالإعلان عن خططها الخاصة ببناء وحدات سكنية جديدة في القدس الشرقية. وإنني اعتبر أن مضمون الإعلان وتوقيته، وخصوصاً مع اقتراب موعد المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، يعد خطوة من تلك الخطوات التي تقوض الثقة التي نحتاج إليها في الوقت الراهن، والتي تأتي على النقيض تماما مع المحادثات البناءة التي أجريتها أثناء زيارتي لإسرائيل". وحصل بايدن على دعم كامل في موقفه من جانب وزيرة الخارجية، هيلاري، التي اعتبرت برنامج بناء المساكن هذا وتوقيته "إهانة" للولايات المتحدة، وهو ما كان كذلك بالفعل. وكانت هيلاري تعتقد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، سيلتزم بما تعهد به من تعليق لبناء المستوطنات لمدة عشرة شهور. ولعلنا نتذكر في هذا السياق أنها قد قامت بتهنئته حينئذ على وعده بالامتناع عن المزيد من البناء في المستوطنات، وهي التهنئة التي كانت سبباً في تعرضها لانتقادات شديدة في الصحافة الدولية التي اعتبرت تصرفها خروجاً عن نهج إدارة أوباما الخاص بالتصرف مع إسرائيل بإنصاف، لكن بحزم في ذات الوقت. أما رد الفعل الإسرائيلي على الاستفزاز الذي شعر به الفلسطينيون، والغضب الشديد الذي أبداه الأميركيون جراء الإعلان الصادر بخصوص بناء وحدات سكنية جديدة في المستوطنات، فقد كان مرتبكا للغاية. حيث قال مسؤول إسرائيلي كبير إن رئيس الوزراء نتنياهو "ليس لديه مشكلة" فيما يتعلق بالبناء في القدس، في حين نقل عن السفير الإسرائيلي في واشنطن، مايكل أورين، قوله إن العلاقات بين بلاده والولايات المتحدة "تمر بأخطر أزماتها منذ عام 1975"، وأن هذه الأزمة "ذات أبعاد تاريخية". أما وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، فقد رأى أن الإعلان عن بناء 1600 وحدة سكنية جديدة كان إعلانًا "غير مبرر"، في حين وصفت زعيمة المعارضة تسيبي ليفني القرار بأنه "يسجل مستوى قياسياً جديداً من الغباء السياسي". لقد دبجت كتبا عديدة عن "العلاقة الخاصة" بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والأضرار التي ألحقتها تلك العلاقة بأميركا في مجال التجارة والدبلوماسية على حد سواء. وهناك مجال جديد أُضيف لقائمة تلك الأضرار في شهر يناير الماضي، من قبل هيئة أركان الجنرال "ديفيد بترايوس" الذي ينظر إليه في الوقت الراهن كبطل في داخل الولايات المتحدة، وذلك بعد النجاح الذي حققه في العراق، وهو أن العالم العربي يفقد في الوقت الراهن إيمانه بالجهود التي تبذلها الولايات المتحدة من أجل إنجاح عملية السلام العربية الإسرائيلية، وهو ما سيؤدي إلى زيادة الخطر الذي يتعرض له أفراد القوات المسلحة الأميركية الموجودون في العراق وأفغانستان بدرجة كبيرة. وما أود التأكيد عليه في نهاية هذا المقال هو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يدفع بدولته إلى موقف شديد الخطورة عندما يصر على تأجيج العداء داخل المجتمع الدولي، و"إهانة" الولايات المتحدة الأميركية، وتشجيع إيران ليس فقط على زيادة قواتها المسلحة، وزيادة القوة المسلحة لـ"حزب الله" و"حماس"، وإنما أيضاً على التفكير بجدية في امتلاك أسلحة نووية. لذلك لم يكن من المستغرب أن يتعرض نتنياهو لتحذير من شخصية إسرائيلية مخضرمة وذات وزن مثل "يوري درومي" المتحدث الرسمي باسم عدد من الحكومات الإسرائيلية السابقة، والذي ذكره بالأسباب الديموغرافية التي تجعل من المحتم عليه، التوصل لاتفاق مع الفلسطينيين بشأن حدود الدولة الفلسطينية الجديدة. لقد رأى الخبراء في معظم أنحاء العالم أن وصول أوباما للبيت الأبيض يمثل أفضل فرصة أتيحت خلال سنوات طويلة من أجل التوصل لتسوية سلمية في الشرق الأوسط، خصوصا بعد قبول أغلبية الإسرائيليين فكرة إقامة الفلسطينيين دولتهم المستقلة، كما يدعي الخطاب الرسمي في تل أبيب!