ما الذي يحدث في إسرائيل هذه الأيام؟ جدران وأنفاق الطرق السريعة تعج بملصقات يظهر فيها أوباما مرتدياً الكوفية الفلسطينية وقد كُتب تحتها "أوباما كاره اليهود"؛ وفي مكتب العضو في البرلمان الإسرائيلي عن حزب "الاتحاد الوطني" مايكل بن آري يوجد ملصق كبير عليه صورة أوباما كُتب في أعلاه "عميل منظمة التحرير الفلسطينية"، وهو ملصق من المرتقب أن يتم توزيع مئات النسخ منه عبر البلاد. وفي الوقت الذي كان فيه الأميركيون يحثون الدول العربية المعتدلة بلطف على قبول تطبيع العلاقات مع إسرائيل والقيام بمبادرة ما لإثبات ذلك، دخل عملاء إسرائيليون دبي بجوازات سفر أوروبية مزورة واغتالوا المبحوح، الأمر الذي أثار حفيظة الفلسطينيين والدول العربية والاتحاد الأوروبي، وأضفى المصداقية على ما يقوله كثيرون ممن يعتبرون محقين أن إسرائيل هي الدولة المارقة الحقيقية في المنطقة. ثم في زيارة إلى إسرائيل نظمها اللوبي اليهودي الأميركي "جي ستريت"، الذي يصف نفسه بأنه مؤيد لإسرائيل ومؤيد للسلام في الوقت نفسه، قوبلت مجموعة من أعضاء الكونجرس الأميركيين بالتجاهل على نحو مذل من قبل وزارة الخارجية الإسرائيلية التي رفضت الالتقاء بهم. أما جريمتهم، فهي دعمهم لعملية السلام التي تقبلها إسرائيل رسمياً على المستوى اللفظي على الأقل، وتزعم أنها حريصة على تشجيعها. تضاف إلى ذلك الحملة المتواصلة في إسرائيل ضد منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية التي تجرأت على تقديم وثائق وخلاصات بحوث ميدانية استعملتها "لجنة جولدستون"، التي أنشأتها الأمم المتحدة، من أجل دعم ما خلصت إليه من أن الجيش الإسرائيلي ارتكب جرائم حرب في قطاع غزة العام الماضي، حيث تنعت تلك المنظمات الآن بالخائنة وتتهم بالعمل لحساب العدو. والواقع أن كل هذه التصرفات وغيرها -استمرار الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين، وطردهم من القدس الشرقية، وحصار غزة اللاإنساني- ترسم صورة كيان يعامل المجتمع الدولي، ومن ورائه القانون الدولي، بازدراء واستخفاف وصلف صفيق، عبر انخراطه في اغتيالات على طريقة العصابات الإجرامية، واستثارة النزاع عبر إضعاف فرص السلام على نحو ممنهج. وفي هذه الأثناء، نددت "الرباعية الدولية"، التي تضم الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وترعى رسمياً عملية السلام، بأحدث عملية طرد إسرائيلية للفلسطينيين من القدس العربية وبالإعلان عن بناء مستوطنات جديدة، وحذرت من أن التصرفات الأحادية لا يمكن أن تستبق نتيجة مفاوضات السلام، ومن أن اللجنة الرباعية لن تعترف بها أبداً. ومما زاد من عزلة إسرائيل تبني البرلمان الأوروبي لقرار يحث الدول السبع والعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على مراقبة التحقيقات الإسرائيلية والفلسطينية في خلاصات تقرير جولدستون، التي تفيد بحدوث جرائم حرب خلال حرب غزة العام الماضي. ووسط هذه الأجواء المشحونة والمتوترة جاء حادث إهانة بايدن، الذي يعد مؤيداً قويّاً لتل أبيب، حين ذهب إلى إسرائيل من أجل الدفع بالمفاوضات غير المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى الأمام، ولكنه تعرض للإذلال عندما أعلنت وزارة الداخلية الإسرائيلية عن موافقتها على بناء 1600 وحدة استيطانية جديدة لليهود في القدس الشرقية العربية المحتلة، في ازدراء تام لمطلب إدارة أوباما بتجميد بناء كل المستوطنات. وفي تعليقها على هذا الحادث، قالت كلينتون لقناة "سي. إن. إن": "إن الإعلان عن المستوطنات في اليوم نفسه لزيارة نائب الرئيس يمثل إهانة". كما أجرت مكالمة هاتفية مع نتنياهو قالت له فيها إن الإعلان: "يضعف الثقة في عملية السلام وإن على الحكومة الإسرائيلية أن تثبت، ليس عبر الكلمات فقط وإنما عبر الأفعال أيضاً، أنها ملتزمة بعملية السلام". وبسرعة رد نتنياهو على طلب كلينتون بالقول إن إسرائيل أثبتت منذ زمن التزامها بالسلام، وهذا زعْم يجد العقلاء صعوبةً كبيرة في تصديقه؛ غير أننا لسنا أمام أشخاص عقلانيين، بل نحن أمام سياسي منحه التاريخُ فرصةً لإظهار تعلقه بالسلام، ولكنه اختار بدلا من ذلك الاستمرار في الحديث عن الخوف؛ ومنحه التاريخ فرصة لتكون لديه رؤية، ولكنه آثر بدلا من ذلك النفعية السياسية؛ وتغليب الحسابات الضيقة. واللافت أن بعض أصدقاء إسرائيل في الولايات المتحدة، الذين يعميهم دعمهم غير المشروط للدولة العبرية، سواء كانت على صواب أو على خطأ - واعتقاداً منهم بأنهم يدافعون عن إسرائيل- يقعون في فخ اللاعقلانية نفسه. فهذا رئيس "عصبة مناهضة التشهير"، وهي طرف مهم في اللوبي الإسرائيلي، انتقد التنديد الأميركي بقرار إسرائيل بناء مستوطنات جديدة في القدس الشرقية باعتباره رد فعل مبالغاً فيه على "خلافٍ في السياسة" بين صديقين. هذا بينما كتب "صديق" آخر لإسرائيل مؤخراً في مجلة "كومنتري" كلاماً عجيباً يجادل فيه بأن مكانة إسرائيل في المجتمع الدولي قد تدهورت إلى مستويات غير مسبوقة لأنها قامت بالكثير من أجل السلام. والحال أن أصدقاء إسرائيل الحقيقيين، ولاسيما في الولايات المتحدة، ينبغي أن يشعروا بالقلق، على غرار أحد أصدقائها هناك الذي شبَّهَ سلوكَها مؤخراً بسلوك سائق مخمور، داعياً واشنطن إلى إظهار "الحب الصارم" (على غرار العقاب الذي يعاقب به الأب ابنه) ومنع إسرائيل من تعريض نفسها للخطر. والراهن أن من الصعب فهم السبب الذي يجعل نتنياهو يفشل في رؤية الضرر الذي يلحقه، ليس بآفاق تسوية سلمية لنزاع فلسطين فحسب، وإنما ببلده أيضاً إذ يضعه على مسارِ صدام دائم مع الفلسطينيين وجيرانه ونفسه؛ غير أن إيهود باراك كانت لديه القدرة الكافية لمواجهة هذه الحقيقة إذ قال في مؤتمر بالقرب من تل أبيب مؤخراً: "إن الحقيقة البسيطة هي أنه إذا كانت ثمة دولة واحدة تضم إسرائيل والضفة الغربية وغزة، فإنها ستضطر إلى أن تكون إما ثنائية القومية أو غير ديمقراطية"، مضيفاً "وإذا لم تستطع هذه الكتلة التي تضم ملايين الفلسطينيين التصويت في الانتخابات، فإن هذه الدولة ستكون دولة أبارتايد، بكل بساطة".