مذكرة التفاهم التي تمّ توقيعها، مؤخراً، بين كل من مجلس أبوظبي للتعليم ودائرة القضاء في أبوظبي تعكس بوضوح الاهتمام الذي توليه الدولة للأطفال، والحفاظ على حقوقهم، فهذه المذكرة تستهدف في الأساس تنفيذ برنامج توعويّ وقانوني واجتماعي لطلبة المدارس، خاصة مرتكبي الجرائم وضحاياها، بهدف تعريفهم بالجرائم المرتكبة من الأطفال، وتأمين الخدمات التوعوية التي يحتاجون إليها. أهمية هذا البرنامج لا تقتصر على كونه يعد الأول من نوعه على مستوى الشرق الأوسط فحسب، بل لأنه يهدف إلى تعريف الأطفال مجموعة من المعايير والواجبات القانونية والاجتماعية أيضاً. أحد الجوانب المهمة لهذا البرنامج أنه سيسهم في تشكيل ثقافة الأطفال القانونية، وتعريفهم حقوقهم وواجباتهم، ومن ثم تهيئتهم للانخراط في المجتمع، والتفاعل مع قضاياه بشكل سليم، لأن إدراك الأطفال لحقوقهم ومعرفة واجباتهم ينمي لديهم المسؤولية، التي بمقتضاها يصبحون قادرين على التمييز بين حقوقهم الشخصية وحقوق الآخرين، سواء من ذويهم وأقرانهم الأطفال، أو من أفراد المجتمع بصفة عامة. الجانب التوعوي الذي يقوم به هذا البرنامج قد يشكّل حائط الصدّ أمام انحراف الأطفال، ويمنعهم من ممارسة السلوكيات التي قد تضرهم أو تنعكس بالسلب على المجتمع، وهو بهذا يقوم بدور وقائي يتصدى للسلوكيات الضارة قبل وقوعها، خاصة في ظل انتشار بعض السلوكيات السلبية في الآونة الأخيرة، كظاهرة العنف المدرسي، وتعاطي المخدرات. فلاشك في أن توعية الأطفال في مدارسنا بهذه الظواهر وخطورتها على الأمن والاستقرار المجتمعيين، قد تحول دون انتشارها، خاصة إذا ما تم الأخذ في الاعتبار أن هناك بعض السلوكيات قد يقدم عليها الأطفال دون وعي من جانبهم بأنها تندرج ضمن قائمة الجرائم أو الأعمال المحظورة التي يعاقب عليها القانون، وقائمة هذه السلوكيات واسعة، كسوء استخدام الهواتف المتحركة، والمشاجرات الطلابية، والمعاكسات التي قد تحدث من جانب بعض الطلاب أيضاً، بالإضافة إلى سوء استخدام "البلوتوث" و"الليزر" وغيرهما. لاشك في أن التوعية بهذه السلوكيات يمكن أن تسهم في تقليل نسبة الجرائم والسلوكيات السلبية التي يقع فيها الأطفال، ذلك لأن معرفتهم أن الأفعال التي قد يقومون بها تندرج ضمن الجرائم التي يعاقب عليها القانون، فإنهم سيفكرون بشكل جدي قبل الإقدام عليها، ولن يقدموا بسهولة على ارتكاب الفعل المخالف للقانون، وبهذا المعنى فإن الوعي بالقانون أو تثقيف الأطفال من خلال هذا البرنامج المشترك بين مجلس أبوظبي للتعليم ودائرة القضاء في أبوظبي سيؤدي دور "الرادع" في منعهم من الإتيان بسلوكيات تهدد الأمن والاستقرار المجتمعي. كما أن هذا البرنامج يتضمن جانباً تربوياً وأخلاقياً مهماً، يتمثل في المواجهة المباشرة بين الأطفال المتهمين بارتكاب جرائم والأطفال ضحايا هذه الجرائم، من خلال أشخاص وخبراء مسؤولين، لإتاحة الفرصة أمام الأطفال الضحايا ليشرحوا وجهة نظرهم لتعريف مدى الأذى الذي تعرضوا له، وهذه المواجهة لها هدف تربوي مهم، وهو المساعدة على منع الأطفال المتهمين من ارتكاب الجرائم أو العودة إلى ارتكابها مجدداً، إضافة إلى تشجيعهم على الاعتذار للأطفال الضحايا. أطفالنا أصبحوا الآن بحاجة ماسّة إلى ثقافة قانونية بسيطة تمكّنهم من معرفة طبيعة الجرائم المختلفة، والعقوبات التي تندرج عليها، وفي الوقت ذاته تعريفهم آليات تفادي أي سلوكيات ضارة لهم ولأمن المجتمع بشكل عام. ______________________ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية