بعد صراع سياسي طويل مع شركات التأمين بالولايات المتحدة - بدأ في عهد روزفلت- نجح أول رئيس أميركي من أصول أفريقية في تمرير قانون جديد للتأمين الصحي في البلاد. وبذلك فإن أوباما الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة، نجح في تمرير القانون الجديد، حيث فشل جميع من سبقوه من الرؤساء بمن فيهم كلينتون ذو الشعبية الكاسحة. ولم تكن معركة أوباما مع المعارضين لسن القانون الجديد سهلة، وبدت محاولاته قبل شهرين من الآن وكأنها تسير في طريق مسدود في أعقاب خسارة "الديمقراطيين" للانتخابات التكميلية لانتخاب خلف لـ"تيد كيندي" من ولاية ماساشوستس، الذي شغر مقعده في مجلس الشيوخ بعد وفاته. بتمرير القانون الجديد يتحقق نجاح باهر لأوباما ومعه الكونجرس الذي تسيطر عليه أغلبية من الحزب "الديمقراطي"، فهذا القانون سيجعل الضمان الصحي يغطي عشرات الملايين من الأميركيين الذين لا يوجد لديهم تأمين صحي خاص بهم، وسيشكل هجمة قوية على طمع واستعلاء شركات التأمين الصحي الكبرى في البلاد، وأوج صراع استمرت فصوله تتوالى لمدة قرن كامل من الزمن تقريباً، لإيجاد تغطية ضمان صحي تطال الجميع. القانون الجديد سيوفر تغطية إضافية لـ32 مليون مواطن أميركي ليس لديهم تأمين صحي، وسيمنع شركات التأمين من رفض التأمين الصحي للمواطنين على أساس أن حالتهم الصحية ليست على ما يرام، ومن إلغاء التأمين فجأة عندما يمرض الإنسان، وسيسهم في تخفيض عجز الموازنة العامة للدولة بما مقداره 138 مليار دولار خلال عقد من الزمن. وإذا تم تطبيق القانون الجديد، فإنه سيوسع تغطية التأمين لكي تشمل 95 بالمئة من جميع الأفراد المستحقين الذين تقع أعمارهم تحت 65 عاماً. وفي أعقاب إعلان نتيجة التصويت التي جاءت بمائتين وتسعة عشر صوتاً مؤيداً ومائتين وأثني عشر صوتاً معارضاً، امتدح أوباما زملاءه "الديمقراطيين" على مساندتهم له بتمرير القانون الذي أولاه جهداً سخياً طوال السنة الماضية من المفاوضات والانتكاسات السياسية، التي وصلت إلى حد الإحباط في بعض مراحلها. وكعادته في القدرة على الخروج بعبارات مؤثرة في شتى المواقف، قال أوباما بأن الشعب الأميركي أثبت أنه لا يزال قادراً على القيام بالأفعال العظمى، وبأن إدارته، أثبتت بأنها "من الشعب، وبالشعب، وللشعب". ورغم أن القانون الجديد سيخدم الكثيرين، فإنه يلقى معارضة شديدة في أوساط كثيرة، ومن اللافت للنظر أن بعض الولايات، وعددها عشر، تُقاضي الحكومة الاتحادية متهمة إياها بأن التشريع الجديد غير دستوري على أساس أنه يخرق سيادة الولايات عن طريق فرض التأمين الصحي على جميع المواطنين الأميركيين. لكن الخبراء يقولون إن هذه الدعوى ستسقط لأن الدستور يقول إن القانون الاتحادي يسود على قانون الولايات كل على حدة، وكل ما يحدث هو أن تستمر المسألة ساخنة إلى أن تأتي الانتخابات القادمة. وربما قدمت إدارة أوباما تنازلات لمعارضيها على صعيد قضايا ساخنة أخرى، كالإجهاض والصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، إلا أن تحقيق الانتصار حول هذه القضية الحساسة يعطي أوباما ومعه الحزب "الديمقراطي"، دفعة معنوية قوية بأنه يستطيع تحقيق الإنجازات على الصعيدين الداخلي والخارجي، فمثل هذه القضايا الشائكة والمعقدة التي تطال قضايا الإنسان الأميركي المباشرة وجيبه ومقدار الضرائب التي سيدفعها، وهل ستزيد أو تنقص؟ ليس من السهل تحقيق نجاحات على صعيدها ما لم يقم الرئيس بجهود جبارة وبتنازلات مهمة ومناورات معقدة كي يتمكن من تمريرها.