بينما تدخل اللعبة في أفغانستان مراحلها الأخيرة، يحتدم التنافس بين الهند وباكستان على زيادة نفوذهما على الساحة الأفغانية. ومعلوم أن باكستان، التي تَعتبر هذا البلد الجار "عمقَها الاستراتيجي"، كانت قد قامت بتنصيب نظام "طالبان"، بعد فترة قصيرة على انسحاب السوفييت، في محاولة لإعادة الاستقرار إلى هذا البلد الذي مزقته الحرب. غير أنه في أواخر تسعينيات، القرن الماضي قام محور (روسيا-الهند-إيران) بدعم "تحالف الشمال" بزعامة برهان الدين رباني وأحمد شاه مسعود في أفغانستان ضد "طالبان"، ومساعدة الولايات المتحدة على خلع نظام "طالبان" بزعامة الملا عمر. واليوم، وبعد مرور سنوات على ذلك، تعقد الهند وروسيا من جديد مشاورات حول كيفية التعاطي مع أفغانستان بعد إعلان الولايات المتحدة نيتها سحب جنودها بشكل تدريجي من ذلك البلد. روسيا الاتحادية، ونظراً لتجربتها المرة في أفغانستان، كانت حتى عهد قريب ترفض الاضطلاع بأي دور مباشر، ولكن قرار الولايات المتحدة وبلدان غربية أخرى الانسحاب من هناك يرغمها على العودة إلى المشهد الأفغاني. والواقع أن كلا من الهند وروسيا يدركان أن اليوم الذي ستنسحب فيه القوات الغربية من أفغانستان قادم لا محالة، ولكن السؤال الذي يظل مطروحاً هو متى سيحدث ذلك. وبالتالي، فإن البلدين يتوقان على ما يبدو إلى رسم استراتيجية استشرافاً لهذا الاحتمال حفاظاً على مصالحهما. والحقيقة أن نيودلهي كانت تؤيد دائماً زيادة النفوذ الروسي في أفغانستان، وتعمل في صمت على حث موسكو على لعب دور أكثر نشاطا هناك؛ ولكن الهند تدرك في الوقت نفسه الحساسيات الروسية حول أفغانستان، وتنتظر من موسكو أخذ المبادرة. واليوم، وعقب تودد واشنطن لأوزبكستان، التي تعد بلدا مهما في المنطقة، ومحاولاتها تقليص علاقات روسيا مع طاجيكستان وقرغيزستان، باتت روسيا تتحدث صراحة اليوم عن استعدادها لتكون جزءاً من الحل في الأزمة الأفغانية، التي لم يصدر عنها أي مؤشر تحسن على الرغم من الجهود الغربية ضد مقاتلي "طالبان" في المنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان. وعلى هذه الخلفية تأتي المباحثات الثنائية بين بوتين ومانموهان سينج، والتي بحث خلالها الزعيمان تداعيات المخطط الغربي القاضي بمحاولة التقرب من طالبان. ويذكر هنا أن المخطط الأميركي- البريطاني الذي يلقى دعماً كاملًا من باكستان يقوم على دمج مقاتلي "طالبان" السابقين في المجتمع الأفغاني والدخول في حوار مع أعضاء "طالبان" المعتدلين في محاولة للتوصل إلى اتفاق سلام. وفي هذا الإطار، تشير التقارير إلى أن كرزاي بدأ منذ فترة مفاوضات مع "الحزب الإسلامي"، الذي يقوده رئيس الوزراء السابق غلب الدين حكمتيار. غير أن ذلك يثير قلق الهند، والسبب في ذلك يعود إلى أن "طالبان" تنتمي إلى البشتون، ولأن لدى باكستان تأثيراً كبيراً عليهم نظراً لاشتراكهما في الإثنية والدين والثقافة واللغة. والهند تعلم علم اليقين أنه من دون مشاركة باكستان النشطة وتعاونها التام، فإن الجهود الأميركية- البريطانية لن يكتب لها النجاح. والواقع أن باكستان أيضاً تدرك أهميتها باعتبارها صاحبة دور كبير. ولذلك، فإنها لن تحاول فقط ضمان صد أي دور أو تأثير هندي في البنية السياسية المقبلة. وقد اعترف بذلك الرئيس كرزاي، الذي زار إسلام آباد مؤخراً عندما قال: "إن الهند صديق مقرب لأفغانستان، ولكن باكستان أخ لأفغانستان، بل إن باكستان أخ توأم، فنحن توأمان سياميان". ومع تصميم الغرب على تنفيذ ما تم الإعداد له في مؤتمر لندن، فإن كل ما تستطيع الهند فعله هو التعبير عن القلق والأمل في أن يتم إدماج "طالبان" من دون منح عناصرها أي دور في حكم البلاد. أما مرد القلق الهندي، فهو حقيقة أنه خلال حكم "طالبان" السابق، كانت ثمة محاولات من قبل "القاعدة" وأتباعها لإرسال مقاتلين إلى كشمير عبر الحدود الباكستانية. وبالتالي، فإن أي حكومة تهيمن عليها "طالبان"، قد تعني مشاكل للهند في المستقبل. إيران بلد آخر يعارض عودة "طالبان" إلى السلطة، ولكن نظراً لموقف الهند من طموحات إيران النووية، وتصويتها في الوكالة الدولية للطاقة الذرية ضد طهران، فإن إيران رفضت التعاون مع الهند حول هذا الموضوع، ولعل أحد المؤشرات على هذا هو قرار طهران مؤخراً توقيع اتفاق خط أنبوب الغاز مع باكستان من دون مشاركة الهند. ومن جانبها، تبدو روسيا، التي تكره "طالبان"، غير سعيدة بالاستراتيجية الغربية، التي تتجه نحو هدف واحد هو إنهاء عملياتها في هذا البلد الخطير في أسرع وقت ممكن. والواقع أن حجم القلق بشأن أفغانستان كان واضحاً بجلاء في مؤتمر صحفي مشترك عقده بوتين ومانموهان سينج. ذلك أن روسيا، التي تعد متحفظة عادة حول موضوع أفغانستان، جهرت بموقفها بشأن الأزمة الأفغانية، حيث كرر بوتين في أكثر من مناسبة قلق روسيا بشأن الوضع في أفغانستان؛ كما أشار، في اجتماع عبر نظام "الفيديو كونفرنس" مع رجال أعمال من نيودلهي ومومباي وكولكاتا وبانجلور، إلى أن ما يحدث في أفغانستان يؤثر بشكل مباشر على كل من الهند وروسيا. ولئن كان من غير المعروف حتى الآن أي دور تنوي روسيا لعبه في أفغانستان، فإنه من الواضح، ستكون ثمة مشاورات وثيقة بين الهند وروسيا. فالبلدان حليفان، كما أن علاقتهما الثنائية تعود إلى فترة الحرب الباردة، وهي مازالت جيدة ومستمرة حتى اليوم. بل إن روسيا هي التي كانت تهب دائماً، خلال العقدين الأخيرين، لمساعدة الهند في أوقات الأزمات. لكن وعلى غرار أي علاقة، فقد كانت ثمة بالطبع فترات مد وجزر. ورغم أن زيارة بوتين قد أعادت على ما يبدو بعض الجاذبية القديمة إلى العلاقة بين البلدين، فإن روسيا ترغب مع ذلك في التعاطي بحذر مع التطورات التي تشهد الساحة الأفغانية تجنباً لزعزعة الاستقرار في تلك المنطقة وحتى لا تحرق أصابعها مرة أخرى.