في الأول من هذا الشهر، وبعد إعلان نتائج دورة الألعاب الأولمبية الشتوية الأخيرة، طبعت "نيويورك تايمز" خريطة لافتة للأنظار تبين المكانة الرياضية لكل دولة من دول العالم ونجاحاتها في هذا المجال، مقارنة بباقي الدول. وتضمنت الخريطة الميداليات التي حصلت عليها كل دولة في تلك الدورة مرسومة على شكل دوائر موضوعة داخل حدود كل دولة بحيث أنه كلما ازداد عدد الميداليات التي حصلت عليها الدولة، ازداد عدد الدوائر داخل خريطتها. وهذه الطريقة في إظهار النتائج الأولمبية كانت مفيدة بالفعل، ولا تخلو من متعة. فمثلا كان عدد الدوائر الممثلة للميداليات داخل خريطة دولة مثل النرويج، يقارب عددها في دولة مثل الولايات المتحدة الأميركية، التي يزيد عدد سكانها عن عدد سكان النرويج بفارق كبير للغاية. وأبرزت تلك الخريطة هيمنة "الأربعة الكبار"، الولايات المتحدة وكندا وألمانيا والنرويج، على مسابقات الألعاب الأولمبية الشتوية. وكان هناك شيء غريب، وغير متوازن، في ذلك الرسم البياني المكون من دوائر متناثرة، وهو "الصبغة الشمالية الكلية" لتلك الدورة المسماة بالأولمبية. فباستثناء كندا والولايات المتحدة، لم تكن هناك دولة أخرى في الشمال بأسره، وفي وسط، وجنوب أميركا، ممثلة بدوائر. كذلك لم تكن ثمة دولة واحدة من قارة إفريقيا بأسرها، والشرق الأوسط، وجنوب وجنوب شرق آسيا، أو منطقة المحيط الهادئ... فكل تلك الدول كانت "خارج الخريطة". هناك سبب واضح لهذا الفارق الهائل بين الدول "صاحبة الدوائر" و"الدول المحرومة من الدوائر"، سببه أن الدول الأولى يوجد بها الكثير من الجليد، بينما الدول الأخرى ليس لديها جليد إطلاقاً، أو لديها كميات قليلة منه. فكيف يمكن في أولمبياد مثل هذا لدولة مثل إندونيسيا أو سيراليون مثلا أن تتنافس، وتحقق ميداليات؟ لن تستطيع بالطبع. وهنا نتذكر ذلك الفشل الذريع الذي منيت به جامايكا في مسابقة الزلاجة في دورة عام 1988 ، رغم تفوقها في الدورات الأولمبية والعالمية العادية، وإحرازها العديد من الميداليات. لذلك عمدت الاتحادات الرياضية العالمية إلى إيجاد نوعين من الدورات الأولمبية، هما: الدورة الأولمبية الرئيسية والتي تضم منافسات المضمار والميدان مثل: القفز، ودفع الجلة، ورمي القرص، والسباحة وغيرها، والدورات الأولمبية الثانوية، وهي الدورات الشتوية التي تشارك فيها فقط الدول الجليدية. ونظرا لأنه لا توجد هناك فرصة تقريبا لإلغاء الدورات الأولمبية الشتوية، على أساس أنها تمارس التمييز ضد الدول ذات المناخ الدافئ، فإني اقترح هنا ابتكار مجموعة ثالثة من الدورات الأولمبية تختلف عن النوعين السابقين. لم أختر حتى الآن اسماً لهذا النوع، وإن كان لن يخرج في تقديري عن شيء مثل "الأولمبياد المتنوع" أو "أولمبياد الدول المحرومة من الجليد" أو "أولمبياد الألعاب الغريبة". وقائمة الألعاب التي يمكن إدراجها في مثل هذا الأولمبياد عديدة وجذابة، والشرط الوحيد للانضمام هو ألا تكون للدول الجليدية المشاركة أي ميزة، بل ربما يكون العكس هو الصحيح. ويمكن لنا أن ندرج هنا مثالا لنوعية الألعاب التي يمكن أن يشملها هذا الأولمبياد مثل مسابقات الغوص لصيد اللؤلؤ والأسماك: فعلى الأقل فإن رياضة مثل هذه يمكن أن تتيح فرصة كسب الميداليات لغواصين من الجزر اليونانية، وموريشيوس، والدول ـ الجزر في منطقة المحيط الهادئ. أرغب أيضا في رؤية مسابقات في ركوب الجمال، وهي رياضة مثيرة حقا، ولا أتوقع أن أمام كندا أو النرويج فرصة للفوز بميدالية فيها، بينما ستكون متاحة لبعض الدول العربية التي ستجد أخيراً فرصتها لخوض رياضة تتقنها. ويمكن أيضا ابتكار مسابقة لاختيار أسرع شخص يتسلق شجرة جوز هند ارتفاعها 100 قدم وهو حافي القدمين. في لعبة مثل هذه، لن يكون لدى الألمان أو الأستراليين أي فرصة على الاطلاق. لكن هل في هذا تمييز يزيد عما هو موجود في رياضة التزلج على الجليد التي تتفوق فيها الدول الجليدية بينما لا تكون لدى الرياضيين من الدول التي لا يوجد بها جليد أي فرصة. هناك رياضات ستخلب الألباب ويشتد فيها التنافس بين الشمال والجنوب، مثل رياضة شد الحبل، وهي رياضة سيكون مصارعو السومو اليابانيون، ولاعبو الرجبي من مملكة "تونجا"، هم المرشحون المرجحون للفوز بميداليتها. وهناك إلعاب يمكن إدراجها لتحسين مكانة الدول التي تتمتع بمناخ معتدل، ولا يوجد بها سوى كميات ضئيلة من الجليد ويحضرني في هذه المناسبة الرياضة الفرنسية النبيلة المعروفة باسم "لعبة الكرات الحديدية" (les boules). وهناك العديد من الألعاب التقليدية مثل لعبة قذف السهام الصغيرة على لوحة مثبتة على جدار وخصوصا النوع المعروف باسم "على مدار الساعة" أو"303" ولعبة دفع النقود( shove ha'penny وهي من الألعاب الشعبية التقليدية المنتشرة في بلدان ندرة الجليد. وهناك بعض الاقتراحات المتعلقة بإدراج ألعاب جديدة سوف يتم رفضها من قبل اللجنة المنظمة للأولمبياد بسبب خشونتها ومنافاتها لأصول اللياقة والحشمة، مثل لعبة Hey-cockelorum التي كان يمارسها الضباط البريطانيون الشبان أثناء احتلال بريطانيا للهند، وكانت عبارة عن مباراة بين فريقين يضم كل منهما بين ستة وثمانية لاعبين يقوم أولهم بالهبوط على الأرض واتخاذ وضع السجود ويفعل اللاعب الثاني في الترتيب مثله واضعا يديه حول وسط اللاعب المتقدم ورأسه بين فخذيه، ويأتي الثالث ليفعل نفس الشيء ثم الرابع وهكذا دواليك، وبعد ذلك يبدأ السباق انطلاقا من هذه الوضعية. فمثل هذه اللعبة لا يمكن أن توافق عليها اللجنة المنظمة بسبب منافاتها لأصول الحشمة نوعا ما. ما أردت قوله هو أن "أولمبياد الألعاب الغريبة" المتعاطف مع المحرومين، إذا ما أحسن تنظيمه، سوف يكون أعجوبة التلفزيون في العقد المقبل. ففي هذا الأولمبياد سوف يصبح القرويون المتواضعون الذين يتسلقون أشجار جوز الهند حفاة الأقدام، أو البدو الذين يركبون الجمال في الصحراء والذين يعيشون عادة بعيدا عن الأضواء طيلة حياتهم سوف يصبحون أبطالا دوليين يتهافت عليهم الرعاة الساعون لمكافأتهم على مواهبهم الفريدة. ولا شك أن الكريملن الذي سارع بإقالة كبار المسؤولين عن اللجنة الأولمبية الروسية بسب الأداء الباهت للفرق الروسية في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية الأخيرة، رغم أن روسيا بلد لا ينقصه الجليد، سوف يضطر إذا ما اُعتمد الأولمبياد المقترح، لمعاقبة جميع اللاعبين الذين فشلوا في تحقيق نتائج في لعبة مثل دفع النقود shove ha'penny. ولن يقتصر الأمر على الكريملن فحسب بل أن محطة "فوكس نيوز" عندما تجد في مثل هذا الأولمبياد، أنها لن تكون قادرة على التباهي بحصول الأميركيين على ميداليات ذهبية جديدة كل يوم، سوف تضطر إلى التزام الصمت، والاكتفاء بتغطية مباريات دوري الجامعات في كرة السلة. بعقد مثل هذا الأولمبياد سوف، ينتهي التبجح الشمالي بالتفوق للأبد، وسوف يكون الأمر ممتعا ومسليا للجميع. لكن لماذا لم يقترح أحد هذا من قبل؟ لا أعرف، رغم اعتقادي بأن الموضوع جدي حقاً. بول كنيدي استاذ التاريخ بجامعة يل ينشر بترتيب خاص مع خدمة "تريبيون ميديا سيرفيس"