بعد أن انتهت القمة العربية الثانية والعشرون التي انعقدت في ليبيا بداية الأسبوع الحالي، وخرج بيانها الختامي بقرارات وتوصيات -كما هي العادة- تأمل الشعوب العربية في تفعيلها بشكل عملي، أجد أنه من المهم تسجيل أبرز ملاحظتين ترددتا في الشارع العربي وتحدثان لأول مرة في تاريخ القمم العربية. وتتمثل الأولى في أن مستوى التمثيل الرسمي لأغلب الوفود العربية مثل مشكلة حقيقية وأثار التساؤل: إلى أي مدى تراجع الحماس العربي رسمياً؟ فعلاوة على أن هذه القمة سجلت أكبر حالات غياب للقادة العرب، فإنها أول قمة يكون مستوى التمثيل فيها غير معروف ولم يحدد إلا قبل يوم فقط من افتتاح أعمالها، بل كان ملاحظاً أن هناك تردداً لدى البعض ليس فقط في مستوى التمثيل بل في الحضور أساساً، وهو ما أدى إلى أن يقتصر حضور بعض الدول على مستوى وزراء خارجيتها. وطبعاً لهذه الملاحظة دلالة مهمة استطاع الكثيرون في الشارع العربي التقاطها؛ وهي أنه مثلما أن الشعوب العربية لا تنتظر شيئاً "مهماً" من هذه القمم، فالرسميون يناصفونهم أيضاً في ذلك، وأن حضورهم للقمم أقرب إلى أن يكون كحضور حفلات المجاملات ، وهو ما يجعل فاعلية وأهمية قراراتها موضع شك في الأساس، ويوضح الأسباب الحقيقية التي تقف وراء عدم حل الكثير من القضايا العربية المعلقة. بل وصل الأمر بالبعض إلى القول بأن قمة سرت هي التشييع الرسمي لجثمان العمل العربي المشترك إلى مثواه الأخير. أما الملاحظة الثانية فهي أنه رغم أن القمة انعقدت في ظرف عربي وإسلامي استثنائي تمثل في استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، وتصعيد عمليات التهويد والاستيطان في القدس وحولها، وهو ما يقتضي تفاعلاً عربياً سياسياً أكبر، باعتبار أن القضية الفلسطينية جوهرها الأساسي "القدس"، بل إن الحديث عن فلسطين بدون القدس أمر لا أهمية له... فكان من المفترض أن تكون القمة العربية أفضل مناسبة لصناعة موقف سياسي تجاه هذه القضية. إلا أن حالة الفتور والهدوء المصاحبة لفعاليات القمة سرت أيضاً في الأراضي المحتلة، فلم نلحظ أي اعتصامات أو مسيرات في الشوارع العربية، كما هي العادة في مثل هذه الظروف، رغم أن الذي يحدث اليوم في القدس أخطر مما حدث حتى خلال الحرب على غزة أو حرب صيف عام 2006 على لبنان. وهناك إشارة التقطها المواطن العربي أيضاً، وهي أن وسائل الإعلام العربية كما كانت تعمل على تعبئته بالاهتمام بالقمة العربية فإنها كانت أيضاً تعمل ذلك في القضايا الأخرى بل إنها كانت تعمل على تهييجه وإثارته في أحيان كثيرة ليتعدى الأمر أن تكون المعالجة منطقية وعقلانية ليصل في بعض الأحيان إلى أن يصطدم المواطن العربي بأجهزة الأمن في بلاده. النتيجة التي يمكن الخروج بها من هاتين الملاحظتين، أن الرأي العام العربي "لا رأي له" أو لا موقف له تجاه قضاياه القومية، وأن ما يردده البعض بأنه شعب "غوغائي" ينفعل بسرعة ويهدأ بأسرع مما انفعل به أقرب إلى الحقيقة. وبالتالي، فعلى وسائل الإعلام العربية، خاصة تلك التي اعتادت استغلال عاطفته، عدم تعبئة هذا الرأي وتحريضه خدمة لمصالح سياسية معينة، وإذا كان لابد لها من ذلك فأعتقد أن الأفضل العمل على إشعال حماسة الشعب العربي من أجل الاهتمام بالتنمية الاجتماعية وبما يمكن أن يخدم مجتمعاته بدلاً من القضايا السياسية التي لم تجلب له سوى المشاكل!