لم ينقطع خيط الابتكار لحظة في تاريخ الولايات المتحدة، فقد امتدت قصة النجاح الأميركي من النظارات ذات العدسة ثنائية التركيز التي اخترعها بن فرانكلين، إلى اختراع العبقري توماس إديسون للمبة الكهربائية، وصولاً إلى خط تجميع السيارات الذي أنشأه "هنري فورد"، ثم أجهزة المعالجة الدقيقة التي اكتشفها علماء ومخترعو اليوم. وترتبط جميع هذه القصة بكونها تحكي عن الطريقة التي سوف تخترع بها أميركا مستقبلها. ولم تحقق مايكروسوفت ودو بونت اللتان نتولى قيادتها – بيل جيتس وتشاد هوليداي- إلا لاستثمارهما عميقاً في الأفكار والتكنولوجيا الحديثة. غير أن بلادنا تهمل مجالاً بالغ الأهمية بالنسبة لمستقبلنا وأمننا القومي: الطاقة. فعلى رغم أن الشركات المستثمرة في مجال تقنية المعلومات والصناعات الدوائية تنفق ما يتراوح بين 5-15 في المئة من عائداتها السنوية في مجال البحث والتطوير سنوياً، يلاحظ أن الشركات العاملة في مجال الطاقة لا تنفق على البحث والتطوير في مجال استثمارها سوى متوسط سنوي يقدر بنحو ربع واحد من نسبة 1 في المئة، فحسب سنوياً من عائداتها خلال الخمسة عشر عاماً الماضية كلها. وعلى رغم الحديث عن حاجة الولايات المتحدة إلى الدخول إلى عصر طاقة القرن الحادي والعشرين النظيفة المتجددة، فإن الإنفاق الفيدرالي على هذه الموارد المتجددة لا يزال يقل عن 3 مليارات دولار سنوياً، وهو معدل ضئيل جداً نسبياً. ولك أن تقارن هذه النسبة بما تنفقه الخزانة الفيدرالية سنوياً على أبحاث تطوير الرعاية الصحية، أي بما يقدر بحوالي 30 مليار دولار، وكذلك بنحو 80 مليار دولار سنوياً تنفق على قطاع أبحاث تطوير الدفاع العسكري. وكما تنبأ الكثيرون، فإن في محاولة بناء مستقبل للطاقة يستند على تكنولوجيا الأمس، تهديد يعرض الكثيرين منا إلى صدمة الأسعار، وهو ما يؤذي الأميركيين أولاً ويلحق ضرراً بالغاً بالكثير من فقراء العالم. ليس ذلك فحسب، بل إن في مثل هذا النوع من التفكير ما يعرض أمننا القومي إلى مخاطر أشد، ويزيد من عجز ميزاننا التجاري، خاصة وأننا لا نزال نعتمد كثيراً على واردات النفط الأجنبي باهظة التكلفة. وما لم تبذل جهود كبيرة في التصدي لمشكلة التغير المناخي، ستواصل درجات حرارة الأرض ارتفاعها، ما يهدد بتقويض الزراعة، وحدوث موجات متعاقبة من الجفاف والفيضانات في أنحاء العالم، لتقضي في نهاية الأمر على الكثير من النظم البيئية المنتشرة في شتى بقاع الأرض. لكل هذه الأسباب، فنحن في أمس الحاجة إلى استراتيجية ملهمة تمكننا من اختراع مستقبلنا وتوفير الضمانات اللازمة لسلامته وازدهاره. وفي مجال الطاقة، مثلما هو الحال في مجالات الطب والدفاع القومي، فإن مسؤولية كهذه تتطلب التزاماً حكومياً عاماً بالدرجة الأولى. والسؤال: لماذا ليس في وسع القطاع الخاص القيام بمسؤولية كهذه؟ أولاً هناك مصالح كثيرة مشتركة في توفر المزيد من خيارات الطاقة للمواطنين. وهنا لا بد من القول إن لخيارات الطاقة علاقة كبيرة بأمننا القومي وبعافية اقتصادنا، فضلاً عن النواحي البيئية المرتبطة بهذه الخيارات. ويجب القول إن هذه الدوافع لا تشكل محركاً قوياً للقطاع الخاص، إنما هي على صلة بالالتزام الحكومي العام. ثانياً: تتطلب طبيعة استثماراتنا في مجال الطاقة التزاماً حكومياً. فربما يكلف إنتاج جيل جديد من تكنولوجيا التلفزيون حوالي 10 ملايين دولار. ولما كان ممكناً تطوير هذا النوع الجديد من أجهزة التلفزيون اعتماداً على التكنولوجيا القائمة أصلاً، فإن في حساب تفاضل المخاطرة المالية في هذه الصناعة الجديدة، فيه ما يستقطب اهتمام الاستثمار الخاص. بيد أن تطوير مورد جديد للطاقة الكهربائية ربما يكلف الكثير من مليارات الدولارات، ولا يزال احتمال الفشل في تطويره قائماً رغم المبالغ المالية الكبيرة التي أنفقت فيه. وهذا لا ما لا تخاطر معظم شركات القطاع الخاص بتحمله بالطبع. ثالثاً: لا بد من القول بضعف عائدات قطاع الطاقة في بلادنا، فالمعلوم أن العمر الافتراضي لمحطة توليد الطاقة هو حوالي 50 عاماً، أو ما يزيد عن ذلك بقليل، وتعد تكلفة تشغليها رخيصة جداً ما أن يتم بناؤها، ما يعني وجود سوق محدودة جداً لبناء أنماط حديثة من هذه المحطات. ولهذا السبب نستطيع أن نفهم ضيق ومحدودية استثمارات القطاع الخاص في مجال تكنولوجيا الطاقة الحديثة النظيفة المتجددة. لكن وعلى رغم هذه الصعوبات، فإن القبول بالواقع الحالي، كما هو في مجال الطاقة، سوف يترك بلادنا أمام خيارات سيئة للغاية في هذا المجال الحيوي، الذي تقوم عليه ابتكارات المستقبل جميعاً. حرصاً منا على عدم التفريط بمستقبل بلادنا في هذا المجال، فقد بادرت أنا وزميلي تشاد هوليداي إلى الانضمام إلى عدد من قادة الاستثمارات والشركات الخاصة – بمن فيهم نورم أوجستين، الرئيس السابق لشركة "لكوهيد مارتن"، و"أورسولا بيرنس"، المدير التنفيذي لشركة "زيروكس"، و"جون دوير"، الشريك بمجموعة "كلاينر بيركنز"، و"جيف إيملت"، المدير التنفيذي لمجموعة "جي إي"، و"تم سولسو"، رئيس شركة "كومينز"، وغيرهم، من أجل تأسيس "مجلس ابتكار الطاقة الأميركي". وفي علمنا أن هناك فرصاً واسعة للابتكار في مجال الطاقة. فالأسعار منخفضة في قطاعي طاقة الشمس والرياح، كما أن لهذه الموارد قابلية التطبيق مع التكنولوجيا الحديثة. وهناك حاجة ماسة إلى تكنولوجيا أفضل لتخزين الطاقة بغية تحسين مستوى استهلاك السيارات للوقود وتوسيع استخدام الطاقة النظيفة المتجددة. كما أن في وسع محطات الطاقة النووية المتقدمة، حرق اليورانيوم غير المخصب، مع العلم بكثرة توفره في مختلف أنحاء العالم. وفي وسع تكنولوجيا كفاءة استهلاك الطاقة الجديدة الحد من الطلب على الطاقة بمعدل 50 في المئة في العديد من التطبيقات التكنولوجية ذات الصلة، بما فيها السيارات والمباني وبعض العمليات الصناعية. فالفرص عظيمة إذاً، وآفاق الابتكار كبيرة وملهمة. وما علينا سوى إعادة التفكير والتخطيط للكيفية التي نحقق بها هذه الابتكارات. بيل جيتس رئيس شركة مايكروسوفت تشاد هوليداي رئيس ومدير تنفيذي سابق لمجموعة دو بونت 98-2009 ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"